كون ما فرض اثنين واحداً من كلّ وجه ، وهو بخلاف المفروض.
وإمّا في الخلق ، وهذا يقتضي أيضاً المشابهة في الذات ؛ لأن كلّاً منهما حينئذٍ خالق ، فتتماثل حقيقتهما ، وهو محال. وفي الصفة كما هو ظاهر ؛ لأن كلّاً منهما متّصف بالخالقيّة ، وتقتضي أن يمتاز خلق كلّ منهما عن الآخر ورسله وآياته ، فإن العاجز عن تمييز خلقه لا يكون واجب الوجود ولا واحداً في كلّ وجه ، بل يكون مركّباً من جهة عجز وجهة قدرة ، وقد عرفت أنه محال ، بل فيه جزء عدميّ حينئذٍ ، ومحال أن يكون في الواجب تعالى عدم ؛ لأنه نقص وتركيب وتشبيه ، والكلّ محال.
وأيضاً نظرنا في هذا الخلق فوجدناه مرتبطاً بعضه على بعض ، فهو كالشيء الواحد الذي له أجزاء ، فعلمنا أنه صنع واحد ، ولم نجد صنعاً آخر ولا خلقاً يباين هذا ، فعلمنا أنه سبحانه ليس له شريك ولا شبه.
وأيضاً لمّا علمنا أن النواة تكون شجرة وتُنتَج من الشجرة ، والنطفة تكون إنساناً والإنسان يُنتج (١) النطفة ، والنبات يكون تراباً ، وبالعكس ، علمنا (٢) أنها مدبّرة لعليم حكيم قاهر حيّ واحد ، وأن ليس لطبائع الأشياء في تدبيرها وتكوينها مدخل ، بل هي مدبّرة على وجه لا أتقن ولا أضبط منه ، وأنه ليس له مثل في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله ، ولا شريك ، فهو الواحد وحده.
إذا عرفت هذا عرفت أن الصانع لما سواه لا بدّ أن يكون حيّاً ، لأنه خالق الحياة ومحيي الموتى ، كما هو مشاهد في الحيوان والنبات وغيرهما ، ولا يمكن أن تصدر الحياة عن الميّت ؛ لأنه عدم والحياة وجود ، ولا يصدر الوجود من العدم ، ولأن الحياة والوجود ضد الموت والعدم ، ولا يمكن صدور الضدّ من الضدّ ؛ إذ لا يصدر الظلمة من محض النور ولا العكس. فثبت أيضاً أنه ليس لله تعالى ضدّ ، لأنه لو كان له ضدّ
__________________
(١) في المخطوط بعدها : ( من ).
(٢) في المخطوط : ( وعلمنا ).