الفصل الرابع
في الإمامة
إذا عرفت شدّة حاجة الخلق إلى الرسل المتّصفين بالعصمة بجميع محاسن الأخلاق ، والمنزّهين عن النقائص البشريّة وجميع مذامّ الأخلاق والصفات ، وأنهم يجب أن يكونوا بشراً من بني آدم ، لأن سائر البشر لا يستطيع معاينة الملائكة ولا سماع الوحي منهم ، ولأن المعلّم إذا كان من نوع المتعلّم ، والحاكم من نوع الرعية ، كان أمكن لهم في التعلّم منه وفهم مقاصده وقبول أمره ونهيه وأكمل [ للحجّة ] (١) عليهم ؛ حيث لا يستوحشون منه ولا يرهبونه ولا تنفر طبائعهم منه ومن خطابه ورؤيته ، لأنه من جنس خطابهم وهو من نوعهم ، فهم إن قبلوا منه كان قبولهم عن محض الاختيار الذي يدور عليه استحقاق الثواب والعقاب ، وإن أبوا كان محض اختيارهم أيضاً وخالص رضاهم في الأمرين ، فتكمل الحجّة لله.
وإذا كان بشراً جرت عليه أحكام البشريّة العامّة من مثل الصحّة والسقم والحياة والموت ، واستحقّ بأعماله الثواب الذي لا يمكن أن يكون في الدنيا لفنائها وكونها دار الكسب والعمل دون الجزاء ، فلا بدّ أن يموت ، فإذا مات وجب في حكمة الله ومقتضى جوده وقدرته ورحمته أن يقيم لعباده مَن يسدّ مسدّه في كلّ شيء ، لأنه لا
__________________
(١) في المخطوط : ( الحجّة ).