على أنها صفات كمال ، وهو منبع كلّ كمالٍ وخير وأولى به ، فإنه واهبه ، ومعطي الخير أولى بالخير والفضل ، فوصفناه بها كما عَلّمنا.
وفي أفعاله بأن تعلم [ أن ] كلّ كمالٍ وجمالٍ وخيرٍ فمنه بدأ ، وهو مفيضه وواهبه لمن يشاء ، فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلّا هو سبحانه وتعالى ، ولا يُعبَدُ إلّا هو ، ولا يحلّ عبادة غيره بوجه ، ولا طاعة غيره أيضاً.
نعم ، له عباد طاعتُهم طاعتُه ومعصيتُهم معصيتُه وأمرهم عين أمره وقدرتهم بقدرته ، فمن لجأ إليهم أو استغاث بهم أو أطاعهم فقد عبد الله ؛ لأنهم خلفاؤه ونوّابه ، وأنه هو واهب القدرة على كلّ خير ومعجزة وكرامة لأوليائه وصفوته ورسله. فكلّ ما في الخلق من جمالٍ وكمالٍ وخيرٍ فهو واهبه تعالى ، فإن ما سواه خلقه ، فليس لرسولٍ أو وليّ أو ملكٍ قدرة ولا كمال إلّا وهو واهبه له. فدعوة الرسل والأولياء والاستغاثة بهم إذا كانت لاعتقاد أنهم نوّاب الله وخلفاؤه وأبوابه [ التي (١) ] لا يؤتى إلّا منها ، ولأنهم ألبسهم الله حلّة عزّه وقدرته ، وأقدرهم على كلّ ما يريدون بإرادته ، وأن كلّ ما يصدر عنهم من المعاجز وغيرها فهو بقدرة الله تعالى ، كان هو التوحيد الخالص الحقّ.
فلا تغترّ بقول الجاهلين الذين يظنون أنهم ينالون ما عند الله بلا واسطة خلفائه الذين اختارهم وجعلهم ملاذاً ومفزعاً لخلقه ، ودلّ الخلق عليهم وهداهم إليهم بما ألبسهم من لباس عزّته وقدرته ، وجعلهم يقدرون بقدرته على كلّ شيء ، وظهرت منهم المعجزات بإذنه وقدرته.
كيف ظنّك بمن قدرته قدرة الله ويده يد الله ، كما أن أمرَه أمرُ الله ونهيَهُ نهيُهُ؟
اعلم أن معنى الإيمان هو أن تعلم بالدليل وحدانيّة الله تعالى كما تقدّم ويأتي
__________________
(١) في المخطوط : ( الذي ).