الفصل الثاني
في العدل
ومعنى العدل أن تعتقد أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، وأنه لا يجور في حكمه. والدليل على ذلك أن الظلم لا يفعله الظالم إلّا إذا طلب شيئاً أو أراد شيئاً ولم يقدر عليه إلّا بطريق الظلم ، والله تعالى قادر على كلّ شيء ، وعالم بكلّ شيء ، فلا يفعل الظلم ؛ لغناه الذاتي عن فعله.
وأيضاً الظلم قبيح بلا شكّ ، والله تعالى لا يفعل القبيح بلا شكّ ، ولا يأمر به.
فإذا عرفت أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا الظلم تبيّن لك أن الله تعالى لا يخلق الظلم في العبد ولا المعاصي ، ولا يجبر العباد على فعلها. والدليل على ذلك أن الله توعّد من يفعل ذلك بالعقاب وبالنار ، وإنما خلق النار لأهل المعاصي ، فلا يمكّن الخلق على فعل المعصية ، ويخلقها فيهم ثمّ يعذّبهم عليها ؛ لأن هذا من أشدّ الظلم ، والله تعالى عدل لا يجور.
فإذن المعصية إنما يفعلها الإنسان باختياره بعد أن نهاه الله عنها ، ومكّنه من فعلها وتركها باختياره ، فلو أن عبداً أجبره مولاه على أن يأكل شيئاً فأكله ، ثمّ ضربه على أكله ، عدّه العقلاء ظالماً بلا شكّ.