الفصل الثالث
في النبوّة
اعلم [ أنه ] لمّا خلق الله تعالى البشر كذلك ، وقد أخرجهم من بطون أُمّهاتهم لا يعلمون شيئاً ولا يدرون ماذا يريد منهم خالقهم ، ولا ما يقرّبهم لرضاه أو يبعدهم منه ، ولم يخلقهم لهذه الدنيا ، لأنها فانية منقطعة ، ولا يناسب جناب القدّوس والرحمة ، الحكيم القادر العليم أن يخلق خلقه ليبقوا مدّة يسيرة ثمّ يفنوا ، خصوصاً (١) هذه الدار ، أعني : دار النكد والبليّات والمحن والآفات.
فإذن إنما خلقهم للبقاء الدائم والراحة الأبديّة وليدوم جوده (٢) وفضله ونعمه عليهم. وهذا لا يمكن كونه في الدنيا لفنائها وانقطاعها.
فثبت أن لله داراً غير هذه ، هي التي لا تزول ولا تفنى ، ولكنّها لا تدرك ولا يوصل إليها إلّا بالعلم بالله وصفاته وأفعاله ، وبأعمال مخصوصة ، والناس لا يعلمونها ، فوجب بمقتضى عدله وحكمته ورحمته أن يبعث لهم رسلاً مبشّرين ومُنذِرين يهدونهم لما يقرّبهم من رضوان الله ، يعرّفونهم ما يوجب سخط الله والبعد من رحمته.
__________________
(١) في المخطوط بعدها : ( و ).
(٢) في المخطوط : ( وجوده ).