ظلم وجهل ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ولكنّه تعالى لمّا كان جواداً حكيماً غنيّاً بذاته ، منّ على خلقه بأن أوجدهم من العدم وأخرجهم إلى الوجود من غير حاجةٍ منه لهم ، ولكن ليعرفوه ويوحّدوه ويعبدوه لينالوا منه ، وليتفضّل عليهم بالبقاء الدائم والوجود الذي لا يفنى ، والخير الذي لا ينقطع ، وهذا لا يمكن إدراكه إلّا بمعرفته تعالى وعبادته ، لأنه لا يمكن أن يكون في الدنيا ، لأنها ذائبة مضمحلّةٌ أبداً ، ومرجعها إلى الفناء والانقطاع ، كما هو مشاهد من حالها.
فخلقَ سبحانه وتعالى بني آدم مختارين ، بمعنى أن لهم القدرة على الفعل والترك والطاعة والمعصية ، كما يشاهده الإنسان في غيره ويحسّ به ويدركه من نفسه. ولو لم يكونوا كذلك لما تحقّقت منهم الطاعة والمعصية ، وتميّزت كلّ منهما عن الأُخرى ؛ فإنك تعلم بالضرورة أن السكّين والمنشار إذا قطع بهما شيء لا يصحّ نسبة الطاعة لهما ولا المعصية ، فإنهما مجبوران على القطع.
وكذلك لو وقف إنسان على آخر بسيف وهو جبّار متسلّط وألزمه بأكل شيء أو يقتله ، فإن المضطرّ المجبور لا تصحّ نسبة الطاعة إليه ، وكذا لو ألقيت شيئاً في النار فأحرقته [ فإنها ] لم تعدّ طائعة ، ولو لم تحرقه لم ينسب لها أحد من العقلاء المعصية ؛ لأن إحراقها بالطبع لا بالشعور والقصد ، والطاعة والمعصية إنما تتحقّق ممّن له شعور وقصد إلى ما يفعله من غير جبر ولا إلجاء إذا كان قادراً على فعله وتركه واختار هو أحد الأمرين بنفسه وإرادته.