وما ذكرناه كلّه مقتضى العدل والرحمة الواسعة ، فتدبر أدلّة العدل تجدها دالّة على جميع ما فصّلناه.
وقال الفاضل المازندرانيّ : في شرح هذا الخبر : ( تفصيل المقام أن ما في النفس ثلاثة أقسام :
الأوّل : الخطرات التي لا تُقصد ولا تستقرّ ، وقد مرّ أنه لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأُمّة ) (١).
أقول : إن أراد كما هو الظاهر وبمعونة تقييده الثاني بالاختيار ـ : مجرّد تصوّر الطاعة أو المعصية عموماً أو خصوصاً ، أو معناهما ، أو كيفيّة فعلهما ، أو الخطرات التي تخطر على النفس قهراً من غير همّ بهما وعزمٍ على فعلهما ، فلا شكّ أنه لا يُؤاخذ بتصوّر المعصية كذلك ، ولا يُثاب بتصوّر الطاعة حينئذٍ كذلك ؛ إذ ليس هذا من عمل القلب ولا البدن ، والنصّ والإجماع وقواعد العدل تدلّ على ذلك.
أما لو خطر بباله فعل الطاعة وحسنها ليأمر بها ، أو لينوي فعلها ، أُثيب. وكذا لو خطر بباله فعل المعصية وخبثها لينهى عنها وينتهي ، أُثيب بتلك الأدلّة القاطعة. ولو خطر بباله فعل المعصية ليأمر بها أو يأتمر ، أو طلب معرفتها لذلك ، أثم ، وعوقب ؛ لما مرّ.
ثمّ قال رحمهالله : ( الثاني : الهمّ ، وهو حديث النفس اختياراً أن تفعل ما يوافقها أو يخالفها ، أو إلّا تفعل ، فإن كان ذلك حسنة كُتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كُتبت له عشر حسنات ، وإن كانت سيّئة لم تُكتَب عليه ، فإن فعلها كُتِبَت عليه سيّئة واحدة.
كلّ ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، ولا خلاف فيه أيضاً بين الأُمّة ، إلّا إن بعض العامّة صرّح بأن هذه الكرامة مختصّة بهذه الأُمّة ، وظاهر هذا الحديث أنها
__________________
(١) شرح أُصول الكافي ١٠ : ١٤٤.