وبيان حاجة الناس إلى الرسل لا تُحصى وجوهها ، فلو لم يبعث الله الرسل لخربت الدنيا في ساعة ، بل لم تعمّر ولا ساعة ، فلمّا كان الأمر كذلك وجب في حكمة الله تعالى أن يبعث الرسل حكّاماً على اممهم يُعلّمون الناس كلّ خير ورشاد من أُمور الدنيا والآخرة ، ويحذرونهم [ من (١) ] كلّ فساد ومهلك من أُمور الدنيا والآخرة.
ويجب أن يكون الرسول أكمل أُمّته وأشرفهم عقلاً وحسباً ونسباً ، وفي كلّ صفةٍ في كلّ حالاته ، فلا يجوز أن يكون في أُمّته مَن هو أشرف منه في صفة من الصفات ، أو حالة من الحالات ؛ لأن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم قادر عدل ، كما عرفت. وتحكيم الناقص ولو بوجه واختياره للرسالة ولخلافة الله العامّة العظمى لا يكون إلّا لجهل بالأشرف وعدم علم به ، أو لعدم القدرة على اختيار الأشرف وإرساله ، أو لجهل المرسِل والمختار له بوضع الأشياء في غير مواضعها فليس بحكيم ، والله تعالى منزّه عن ذلك.
وأيضاً من المعلوم أن الأشرف أولى من غيره ، فاختيار غيره للرسالة ظلم ، والله سبحانه وتعالى عدل لا يجور.
وأيضاً الله تعالى قادر على أن يجعل رسله كذلك ، فإرساله ناقصاً ولو بوجه ينافي قدرته وحكمته وعلمه وعدله.
ويجب أن يكون الرسول كامل العقل من حين الولادة ، لا يجري عليه ما يجري على سائر الأطفال من أُمور الجهل ونقص العقل ، وإلّا لاحتاج إلى معلّم بشري ،
__________________
(١) في المخطوط : ( عن ).