ترك الطاعة ، وإن رجع وندم عن نيّته لترك الطاعة الواجبة وتداركها مع الإمكان لم يُعاقب على تلك النيّة بفضل سعة رحمة الله.
وإن كان ما هَمّ به ونواه فتركه مندوباً أُثيب على نيّته الفعلَ وإن لم يفعله ، بل لو نوى [ في ] فعل الخير أن يفعله إن تمكّن منه ، أُثيب ما بقيت نيّته. ولو مات قبل أن يتمكّن مع بقاء نيّته أن يفعله ما تمكّن منه أبداً ، أُثيب أبداً ؛ فإن نيّته حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة الكلّيّة القائمة بالنفس أعني : المشيئة ولم يُعاقب على تركه ؛ للإذن الشرعيّ في تركه.
وإمّا أن يكون المنويّ الذي هَمّ به وعزم عليه فعلَ المعصية أو تركها ، فالأقسام بالنسبة إلى المعصية اثنان ، وكلّ منهما إما كلّيّ أو جزئيّ. فإذا هَمّ بالمعصية أي عزم على فعلها ونواه فإن صمّم عَزمه ونيّته وفعَلَ ما نواه كُتِبت عليه سيّئة ، ولكن لا تستقرّ الكتابة ، وتكون بالفعل في جميع مراتب مصادرها إلّا بعد سبع ساعات.
أمّا إنها إنما تُكتب سيّئة واحدة فبفضل رحمة الله التي سبقت غضبه ، ووسعت كلّ شيء ، ولأن المعصية في الحقيقة عدمُ كمالٍ ، ونقصُ وجودٍ ، وظلمة ، والعدمُ نقطة لا فاضل لها ، ولا رتب في نفسها وحقيقتها. وإنما المعصيةُ نقصُ الوجود وظلمة ، والظلمةُ إنما هي عدمُ النورِ ، والنقصُ إنما هو عدم الكمال ، والعدم نقطة.
وأيضاً المعصية صفة الجهل ، وممدّها الجهل ، فهو مبدؤها وإليه تعود ، وهو عدم ؛ لأنه عدم العلم والعقل ، فإذا كان الأصلُ والعلّةُ عدماً مجتثّاً غير ثابت لأنه ليس من الله ، وإنما هو من سِجّين ويعود إليها فهي عدم مجتثّة لا قرار لها كأصلها ، والفاعل لها هو الجاهل العاصي ، فعلها بما أنعَم الله به عليه من القوى والآلة التي وهبها له المعبود بالحقّ ؛ ليعبده بها ، فاختار صرفها في المعصية.
انظر إلى الظلّ الفائض من الجدار بسبب إشراق نور شعاع الشمس على وجهه ، فإنه شيء في مرتبته وليس بشيءٍ في الحقيقة وإنما هو عدمُ نور شعاع الشمس