النيّة السابقة بما يفعله من الطاعات بعدها. وعلى مثله تحمل الأخبار الكثيرة التي ظاهرها أن فعل الطاعة يمحو الذنب ، مثل مَن صلّى بالليل غفر له ما أجرم بالنهار (١) نقلتُهُ بالمعنى وقس عليه أمثاله.
فيكون المراد من الذنوب التي تمحوها الطاعات : مثل نيّة فعل الذنب الذي لا يعمله لا لمانع قهريّ مع بقاء نيّة فعله.
ويحتمل قويّاً دخول الصغائر التي لا يتكرّر فعلها من فاعلها ، ولم يصرّ على نيّة فعلها ، بل التي يفعلها مرّة واحدة ثمّ يُعرض عنها عن توبةٍ وندم ، أو عن إعراضٍ ؛ لانصراف شهوته أو حاجته إليها.
وعلى كلّ حالٍ ليس في الخبر المبحوث عنه دلالة على عدم الإثم بنيّة المعصية ، فإنه إنما قال سلام الله عليه ـ مَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها لم تكتب عليه أي تلك السيئة. فظاهره إرادة النيّة الجزئيّة للعمل الجزئيّ ؛ لأنه في الحقيقة لا نيّة حينئذٍ ؛ إذ لا نيّة إلّا والمنويّ معها ، فإذا لم يعمل حينئذٍ ما نواه لم يكتب عليه وزر ، ولم يُنفَ وزر نيّتها والهمّ بها إذا كان كلّيّاً مستقرّاً. وهذا لا شكّ فيه ؛ فإنه مقتضى العدل ، فإن العدل الرحيم لا يؤاخِذ مَن نوى سيّئةً بعذاب مَن هَمّ بالسيّئة وعملها ، فلا يكتب عليه تلك السيّئة المنويّة ما لم يعملها ، وإنما يكتب عليه وزر نيّته التي منويّها معها ، فلا تُكتب عليه بمجرّد نيّته السيّئةُ سيّئةً حتّى يعمل السيّئة ، فتكتب عليه السيّئة ونيّتها ، فتفطّن.
ومن همّ بها أي السيّئة وعملها كُتِبتْ عليه سيِّئة بالإجماع الضروريّ ، والكتاب (٢) ، والسنة المتواترة المضمون ، والعقل الذي يعرف العدل ؛ فإن هذا مقتضاه. ولا يخلّص المكلّف من إثم المعصية ونيّتها المستقرّة إلّا التوبة المعتبرة شرعاً ، أو التصفية بالعذاب في الدنيا أو الآخرة ، أو هما بعد شفاعة الشافعين ، صلوات الله وسلامه على محمّدٍ : وآله.
__________________
(١) الأمالي ( الطوسي ) ٢٩٤ / ٥٧٢ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٤٣ / ١٦ ، وفيهما : «.
(٢) في قوله تعالى : ( وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلّا مِثْلَها ) الأنعام : ١٦٠.