وعلى هذا إجماع أهل العدل والتوحيد ، والأخبار الدالّة عليه كثيرة مستفيضة وقد سلف بعضها ، ومنها صحيح أبي بصير : عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيَّة ، كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله (١).
فدلّ هذا الخبر على أنه إذا استقرّ صدق العزم والنيّة على عمل الخير ، وحيل بين الناوي وإبراز العمل بحائل قهريّ ، أُثيب ثواب العمل ؛ لأن هذا وسعه من عمل ذلك العمل و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٢).
وإن كان تركه لعمل ما نواه من ذلك استخفافاً ورغبةً عن ثواب الله ، عُوقب على تركه ، ولم يُثَب على نيّته ؛ لأنه [ أطفأ (٣) ] نورها ، ومحا أثرها.
ومَنْ هَمَّ بحسنة وعملها سواء كانت واجبة أو مندوبة كُتبت له عشراً ؛ بفضل سعة رحمة الله وحكمته وعدله ، فالله عزّ اسمه يثيبه بقدر كلّ رتبة تحقّق فيها ذلك العمل من مراتب وجوده. وعند الله مزيد لاستقرار نيّته وثباتها ودوامها ؛ وبشفاعة محمّد : وآله ، صلّى الله على محمّد : وآله.
ومَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها فإن كان تركه لها عن حائل ومانع قهريّ ، مع بقاء همّه وعزمه ونيّته أنه يفعلها ما تمكّن ، عُوقب على نيّته تلك ، بل ربّما استمرّ عقابه وخلّد فيه كما مرّ بيانه.
وإن كان تركه لما نواه من السيّئة لتذكّرٍ وندم وخوف من الله ، لم تُكتب عليه أي تلك السيّئة لأن التوبة تمحو أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها ، فتمحو عنهم وزر الهم ، والعزم على فعل المعصية. وكذلك لو كان تركه لفعل ما نواه من المعصية عن إعراض لانصراف شهوةٍ وإن لم يكن عن ندم وتوبة ، والله غفور رحيم ، فلا تكتب عليه سيّئة ، بل لعلّ الله حينئذٍ يمحو ما تلوّثت به نفسه وتكدّر به صفاؤها من تلك
__________________
(١) الكافي ٢ : ٨٥ / ٣ ، وسائل الشيعة ١ : ٤٩ ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب ٦ ، ح ١.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) في المخطوط : ( أطفى ).