لكان من خلقه ؛ لما ثبت من نفي الشريك والشبه عنه تعالى ، ومحال أن يضادّ المخلوق خالقه ، وإلّا لما كان خالقه.
وأيضاً المضادّة ممانعة ومغالبة ومقاومة ، ومحال أن يكون لواجب الوجود تعالى ممانع أو مغالب أو مقاوم ؛ لأن ذلك يقتضي عجزه وعدم عموم قدرته ، وهذا ينافي وحدته الحقيقية ، لأنه يقتضي أن يكون فيه جهة قدرة وجهة عجز ، وكلّ متجزّئ مركّب مخلوق ، وأنه تعالى عالم بكلّ شيء ، لأن ما سواه خلقه ، ومن المحال أن يخلق ما لا يعلم ؛ إذ كلّ صانع يعلم صنعته قبل أن يصنعها ، وإلّا لما صنعها ؛ إذ محال أن يصنع ما لا يعلمه ، فهو عالم بصنعه قبل أن يصنعه وحال صنعه وبعد صنعه.
وأنه تعالى قادر على ما يريد ؛ إذ من المحال أن يخلق ما لا يقدر عليه ، فمن عجز عن صنعة لم تصدر عنه بالضرورة ، فكلّ ما سواه في قبضته وتحت قهره.
وأنه تعالى غنيّ عمّا سواه ، وكلّ ما سواه مفتقر إليه. أمّا الأوّل فلأنه لو افتقر إلى غيره لكان ناقصاً ، وكان الغير أكمل وأغنى منه ولو في جهة ، وكان له تعالى شبه ، لأن المفتقر إلى غيره كثير ، وكان مفتقراً إلى خلقه ، ومحال أن يفتقر الخالق إلى المخلوق ، لأن ما سواه خلقه ، وكان مركّباً من جهة فقر وجهة غنى ، وكلّ مركّب مفتقر إلى من يركّبه ، فكلّ مركّب مخلوق.
وأمّا أن كلّ ما سواه مفتقر إليه فلأنّ كلّ ما سواه خلقه وكلّ مخلوق مفتقر إلى خالقه ؛ إذ لو استغنى المخلوق عن الخالق لأشبهه في الغنى والله لا يشبهه شيء ، والخلق محال أن يشبه الخالق ، وإلّا لما كان فعلاً له وخلقاً ، ولا كان الخالق خالقاً وفاعلاً. وعرفت أنه تعالى حكيم لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، لأنه تعالى عالم بالأصلح وقادر عليه وغنيّ عن الظلم.
ولأنا لو فكّرنا في أنفسنا وفي جميع المخلوقات لوجدنا تدبير الصنع والخلق من ابتدائه إلى انتهائه متّسقاً ، منتظماً ، محكماً ، متقناً ، مرتبطاً بعضه ببعض. وبيان بعض حكم خلق الإنسان أو غيره يطلب من كلام أهل العصمة عليهمالسلام ، فإن هذه الرسالة لا تسعة.