مشيئة مطلقة من غير إرادة ، فهذه مرتبة معدّة لحصول النيّة وليست بنيّة ، فلا نسلّم ترتّب الثواب والعقاب عليها ، ولا يمكن حمل الخبر عليها ؛ لغموض معناها ، وغموض الفرق بينها وبين النيّة التي يترتّب عليها الثواب أو العقاب. ولا يخاطب الشارع عامّة المكلّفين بمعرفة مثلها ، ولا يترتّب عليها تكليفهم.
وبالجملة ، فهذا القسم إن تحقّقت معه النيّة اتّحد بالثالث ، وجرى فيه ما مرّ من التفصيل ، وإلّا منعنا حمل الخبر عليه. ولا نعقل قسماً ثالثاً بين الأوّل والثالث إلّا ما ذكرناه من إحضار أحدهما بالبال للأمر به والائتمار ، أو النهي عنه والانتهاء ، وهذا قد مرّ تفصيل حكمه.
وأما نفيه الخلاف بين الأُمّة في هذا على الإطلاق ، ففيه ما لا يخفى على من تدبّر ما أسلفناه من التفصيل ، والاتّفاق على هذا الإطلاق ممنوع ، والسند ما ذكر من الأدلّة القاطعة. وأمّا ما نقله عن بعض العامّة من اختصاص هذه الأُمّة بهذه الكرامة ، فباطل ؛ لما مرّ ، ولأن هذه الكرامة من مقتضى رحمة الله وعدله الذي عمّ جميع مخلوقاته.
ثم قال رحمهالله : ( الثالث : العزم ، وهو : التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك. وقد اختلفوا فيه ، فقال كثير من الأصحاب : إنه لا يُؤاخذ به ؛ لظاهر هذه الأحاديث. وقال أكثر العامّة والمتكلّمين والمحدّثين ، ومنهم القاضي : أنه يُؤاخذ به ، لكن بسيّئة العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فإن فعلت كتبت سيّئة ثانية ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١).
وقوله ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ) (٢).
ولكثرة الأخبار الدالّة على حرمة الحسد (٣) ، واحتقار الناس (٤) ، وإرادة المكروه
__________________
(١) النور : ١٩.
(٢) الحجرات : ١٢.
(٣) الكافي ٢ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ / باب الحسد.
(٤) الكافي ٢ : ٣٥٠ ـ ٣٥٤ / باب من آذى المسلمين واحتقرهم.