فتولد من فعله ـ المأذون من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه ـ تلف العضو أو النفس ، أو ذهاب صفة. فهذا لا ضمان عليه اتفاقا : فإنها سراية مأذون فيه. وهذا (١) كما إذا ختن الصبى في وقت ، وسنه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو أو الصبى ـ : لم يضمن. وكذلك : إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته ، على الوجه الذي ينبغي ، فتلف به ـ : لم يضمن. وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها : كسراية الحد بالاتفاق ، وسراية القصاص عند الجمهور ، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله : في إيجابه للضمان بها. وسراية التعزير ، وضرب الرجل امرأته ، والمعلم الصبى ، والمستأجر الدابة ، خلافا لأبي حنيفة والشافعي رحمهما الله : في إيجابهما الضمان في ذلك. واستثنى الشافعي رحمه الله ضرب الدابة.
وقاعدة الباب ـ إجماعا ، ونزاعا ـ : أن سراية الجناية مضمونة بالاتفاق ، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق. وما بينهما ففيه النزاع : فأبو حنيفة رحمه الله أوجب ضمانه مطلقا ، وأحمد ومالك رحمهما الله أهدرا ضمانه ، وفرق الشافعي رحمه الله بين المقدر : فأهدر ضمانه ، وبين غير المقدر : فأوجب ضمانه. فأبو حنيفة رحمه الله : نظر إلى أن الاذن في الفعل إنما وقع مشروطا بالسلامة. وأحمد ومالك رحمهما الله : نظرا إلى أن الاذن أسقط الضمان. والشافعي رحمه الله : نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة النص. وأما ( غير ) (٢) المقدر ـ كالتعزيرات ، والتأديبات ـ : فاجتهادية ، فإذا تلف بهما : ضمن. لأنه في مظنة العدوان.
( فصل ) القسم الثاني : متطبب جاهل باشرت يده من يطبه ، فتلف به. فهذا إن علم المجنى عليه أنه جاهل لا علم له ، وأذن له في طبه ـ : لم يضمن. ولا يخالف هذه الصورة ظاهر الحديث. فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك.
__________________
(١) كذا بالزاد. وفى الأصل « وهكذا » وهو تحريف.
(٢) زيادة متعينة عن الزاد ١٠٩