فيه : من الأرواح الخبيثة التي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار ، فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر : انتشرت وعاثت. والاستعاذة من شر النفاثات في العقد تتضمن الاستعاذة من شر السواحر وسحرهن. والاستعاذة من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها. والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن. فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ، ولهما شأن عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها. ولهذا أوصى النبي صلىاللهعليهوسلم عقبة بن عامر ، بقراءتهما عقب كل صلاة. ذكره الترمذي في جامعه. وفى هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة. وقال : « ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ». وقد ذكر : أنه صلىاللهعليهوسلم سحر في إحدى عشرة عقدة ، وأن جبريل نزل عليه بهما ، فجعل كلما يقرأ آية منهما : انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها وكأنما نشط من عقال ».
وأما العلاج الطبيعي فيه : فإن في الملح نفعا لكثير من السموم ، ولا سيما لدغة العقرب. قال صاحب القانون : « يضمد به مع بزر (١) الكتان للسع العقرب ». وذكره غيره أيضا. وفى الملح : من القوة الجاذبة المحللة ، ما يجذب السموم ويحللها. ولما كان في لسعها قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج ـ : جمع بين الماء المبرد لنار اللسعة ، والملح الذي فيه جذب وإخراج. وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره وأسهله ، وفيه تنبيه على أن علاج هذا الداء : بالتبريد والجذب والاخراج. والله أعلم.
وقد روى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : « جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة! فقال : أما لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضرك » (٢).
واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله ، وتمنع من وقوعه ، وإن وقع : لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا. والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء. فالتعوذات والاذكار : إما أن تمنع وقوع هذه الأسباب ، وإما أن تحول بينها وبين كمال
__________________
(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : بذر. وما أثبت أولى أو الصحيح. انظر المصباح : (بذر).
(٢) وأخرجه أيضا أحمد اه ق