وهذا كله مستفاد من قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ). فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن : من الطعام والشراب ، عوض ما تحلل منه ، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن : في الكمية والكيفية. فمتى جاوز ذلك : كان إسرافا. وكلاهما مانع من الصحة ، جالب للمرض. أعنى : عدم الأكل والشرب ، أو الاسراف فيه.
فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الإلهيتين. ولا ريب أن البدن دائما : في التحلل والاستخلاف ، وكلما كثر التحلل : ضعفت الحرارة لفناء مادتها ، فإن كثرة التحلل تفنى الرطوبة ، وهى مادة الحرارة ، وإذا ضعفت الحرارة : ضعف الهضم ، ولا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة ، وتنطفئ الحرارة جملة ، فيستكمل العبد الاجل الذي كتب الله له أن يصل إليه.
فغاية علاج الانسان لنفسه ولغيره : حراسة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة ، لا أنه (١) يستلزم بقاء الحرارة والرطوبة اللتين بقاء الشباب والصحة والقوة بهما ، فإن هذا مما لم يحصل لبشر في هذه الدار. وإنما غاية الطبيب : أن يحمى الرطوبة عن مفسداتها من العفونة وغيرها ، ويحمى الحرارة عن مضعفاتها ، ويعدل بينهما بالعدل في التدبير الذي به قام بدن الانسان ، كما أن به قامت السماوات والأرض. وسائر المخلوقات إنما قوامها بالعدل.
ومن تأمل هدى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجده أفضل هدى يمكن حفظ الصحة به. فإن حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس ( والمسكن ) (٢) والهواء ، والنوم واليقظة ، والحركة والسكون ، والمنكح ، والاستفراغ والاحتباس. فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسن والعادة ـ : كان أقرب إلى دوام الصحة والعافية أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.
ولما كانت الصحة من أجل نعم الله على عبده ، وأجزل عطاياه ، وأوفر منحه ـ بل
__________________
(١) كذا بالزاد ١٣٤. وفى الأصل : لأنه. وهو تحريف.
(٢) الزيادة عن الزاد ١٣٤.