ولهذا قال بعض السلف : « العشق : حركة قلب فارغ ». يعنى : ( فارغا ) (١) مما سوى معشوقه. قال تعالى : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ، ان كادت لتبدى به ) ، أي : فارغا من كل شئ إلا من موسى ، لفرط محبتها له ، وتعلق قلبها به ، والعشق مركب من أمرين : استحسان للمعشوق ، وطمع في الوصول إليه. فمتى انتفى أحدهما : انتفى العشق.
وقد أعيت علة العشق على كثير من العقلاء ، وتكلم فيها بعضهم بكلام يرغب عن ذكره إلى الصواب. فنقول : قد استقرت حكمة الله عز وجل ـ في خلقه وأمره ـ على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه ، وانجذاب الشئ إلى موافقه ومجانسه بالطبع ، وهروبه من مخالفه ونفرته عنه بالطبع. فسر التمازج والاتصال في العالم العلوي والسفلى ، إنما هو : التناسب والتشاكل والتوافق. وسر التباين والانفصال إنما هو. بعدم التشاكل والتناسب. وعلى ذلك تمام الخلق والامر. فالمثل (٢) إلى مثله مائل وإليه صائر ، والضد عن ضده هارب وعنه نافر.
وقد قال تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها ). فجعل سبحانه علة سكون الرجل إلى امرأته ، كونها من جنسه وجوهره. فعلة السكون المذكور ـ وهو الحب ـ : كونها منه. فدل على أن العلة ليست بحسن الصورة ، ولا الموافقة في القصد والإرادة ، ولا في الخلق والهدى. وإن كانت هذه أيضا من أسباب السكون والمحبة.
وقد ثبت في الصحيح ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ». وفى مسند الإمام أحمد ، وغيره ـ في سبب هذا الحديث ـ : « أن امرأة بمكة (كانت) (٣) تضحك الناس ، فجاءت إلى المدينة ، فنزلت على امرأة تضحك الناس. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : الأرواح جنود مجندة » الحديث.
وقد استقرت شريعته سبحانه : أن حكم الشئ حكم مثله ، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا ، ولا تجمع بين مضادين. ومن ظن خلاف ذلك : فإما لقلة علمه بالشريعة ،
__________________
(١) زيادة حسنة عن الزاد.
(٢) كذا بالزاد ١٥٢. وفى الأصل : والمثل. والمثبت أحسن.
(٣) زيادة جيدة عن الزاد.