وقال الرازي في كتابه الكبير : « إذا كانت القوة قوية والحمى حادة جدا ـ والنضج بين ، ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ـ : ينفع الماء البارد شربا. وإن كان العليل خصب البدن ، والزمان حار ، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج ـ : فليؤذن فيه ».
وقوله : « الحمى من فيح جهنم » ، هو : شدة لهبها وانتشارها. ونظيره قوله : « شدة الحر من فيح جهنم ». وفيه وجهان :
( أحدهما ) : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ، ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها. ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها. كما أن الروح والفرح والسرور واللذة : من نعيم الجنة ، أظهرها الله في هذه الدار : عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها.
( والثاني ) : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه شدة الحمى ولهبها بفوح جهنم ، وشبه شدة الحربة أيضا. تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار ، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها. وهو : ما يصيب من قرب منها : من حرها.
وقوله : « فابردوها » ، روى بوجهين : بقطع الهمزة وفتحها ، رباعي من « أبرد الشئ » : إذا صيره باردا ، مثل « أسخنه » : إذا صيره سخنا. والثاني : بهمزة الوصل مضمومة ، من « برد الشئ يبرده ». وهو أفصح : لغة واستعمالا. والرباعي لغة رديئة عندهم. قال الحماسي :
إذا وجدت لهيب الحب في كبدي : |
|
أقبلت نحو سقاء القوم أبترد |
هبني بردت ببرد الماء ظاهره |
|
فمن لنار على الأحشاء تتقد؟! |
وقوله : « بالماء » ، فيه قولان : ( أحدهما ) : أنه كل ماء. وهو الصحيح.
( والثاني ) : أنه ماء زمزم. واحتج أصحاب هذا القول ، بما رواه البخاري في صحيحه ، عن أبي جمرة نصر (١) بن عمران الضبعي ، قال : « كنت أجالس ابن عباس بمكة ،
__________________
(١) بالأصل : « حمزة نصر » : وبالزاد (ص ٧٢) : « جمرة نضر ». وكلاهما قد وقع فيه تصحيف والصواب ما أثبتناه. راجع تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٣١) ، والخلاصة (ص ٣٤٤ : ط الخشاب).