وفى أثر آخر : « عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن (١) ».
فجمع بين الطب البشرى والإلهي ، وبين طب الأبدان وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي.
إذا عرف هذا : فهذا الذي وصف له النبي صلىاللهعليهوسلم العسل ، كان استطلاق بطنه : عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل : لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول. وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها : فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة ، فإذا علقت بها الاخلاط اللزجة : أفسدتها وأفسدت الغذاء. فدواؤها بما يجلوها من تلك الاخلاط. والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء : لا سيما إن مزج بالماء الحار.
وفى تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو : أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء : إن قصر عنه لم يزله بالكلية ، وإن جاوزه أوهن القوى (٢) فأحدث ضررا آخر. فلما أمره أن يسقيه العسل : سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ، ولا يبلغ الغرض. فلما أخبره : علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة. فلما تكرر ترداده إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، أكد عليه المعاودة : ليصل إلى المقدار المقاوم للداء. فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء : برئ بإذن الله. واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ، ومقدار قوة المرض والمريض ـ من أكبر قواعد الطب.
وفى قوله صلىاللهعليهوسلم : « صدق ( الله ) (٣) وكذب بطن أخيك » ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ، ولكن : لكذب البطن ، وكثرة المادة الفاسدة فيه. فأمره بتكرار الدواء : لكثرة المادة.
وليس طبه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كطب الأطباء ، فإن طب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : متيقن قطعي
__________________
(١) أخرجه : ابن ماجة ، والحاكم في صحيحه ـ وقال : على شرط الشيخين. وأقره الذهبي ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا. اه ق.
(٢) أوهن القوى : أضعفها.! اه ق.
(٣) زيادة متعينة : عن الزاد ( ص ٧٤ ).