أراد هذا المعنى الذي ذكرتموه ، وأنه لا يمنع الخروج لعارض ، ولا يحبس مسافرا عن سفره.
قيل : لم يقل أحد ـ طبيب ولا غيره ـ : إن الناس يتركون حركاتهم عند الطواعين ، ويصيرون بمنزلة الجمادات. وإنما ينبغي فيه التقليل (١) من الحركة بحسب الامكان. والفار منه لا موجب لحركته إلا مجرد الفرار منه ، ودعته وسكونه : أنفع لقلبه وبدنه ، وأقرب إلى توكله على الله تعالى واستسلامه لقضائه. وأما من لا يستغنى عن الحركة ـ : كالصناع ، والاجراء ، والمسافرين ، والبرد ، وغيرهم. ـ فلا يقال لهم : اتركوا حركاتكم جملة ، وإن أمروا : أن يتركوا منها ما لا حاجة لهم إليه : كحركة المسافر فارا منه. والله تعالى أعلم.
وفى المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها ، عدة حكم :
( أحدها ) : تجنب الأسباب المؤذية ، والبعد منها.
( الثاني ) : الاخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.
( الثالث ) : أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد ، فيمرضون.
( الرابع ) : أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك ، فيحصل لهم بمجاورتهم ، من جنس أمراضهم.
وفى سنن أبي داود مرفوعا : « إن من العرق التلف » (٢). قال ابن قتيبة : العرق : مداناة الوباء ، ومداناة المرضى.
( الخامس ) : حمية النفوس عن الطيرة والعدوي ، فإنها تتأثر بهما : فإن الطيرة على من تطير بها.
وبالجملة ففي النهى عن الدخول في أرضه : الامر بالحذر والحمية ، والنهى عن التعرض لأسباب التلف. وفى النهى عن الفرار منه : الامر بالتوكل والتسليم والتفويض. فالأول تأديب وتعليم ، والثاني تفويض وتسليم.
وفى الصحيح : « أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ لقيه
__________________
(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « التقلل ».
(٢) وأخرجه أيضا : أحمد ، والبيهقي في شعب الايمان عن فروة بن مسيك. اه ق.