أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية. فإن كانت دموية : فشفاؤها إخراج الدم. وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية : فشفاؤها بالاسهال الذي يليق بكل خلط منها. وكأنه صلىاللهعليهوسلم : نبه بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد. وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم ، فإذا أعيا الدواء : فآخر الطب الكي. فذكره ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من (١) الأدوية : لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع الدواء المشروب. وقوله : أنا أنهى أمتي عن الكي ، وفى الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي (٢). إشارة إلى أن يؤخر العلاج به : حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي به ، لما فيه : من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ». انتهى كلامه.
وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ، أو يابسة ، أو ما تركب منها. وهذه الكيفيات الأربع منها كيفيتان فاعلتان ـ وهما : الحرارة والبرودة. ـ وكيفيتان منفعلتان ، وهما : الرطوبة واليبوسة. ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين (٣) الفاعلتين ، استصحاب كيفية منفعلة معها. وكذلك كان لكل واحد من الاخلاط الموجودة في البدن وسائر المركبات ، كيفيتان : فاعلة ومنفعلة.
فحصل من ذلك : أن أصل الأمراض المزاجية ، هي التابعة لاقوى كيفيات الاخلاط ، التي هي : الحرارة والبرودة. فجاء (٤) كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض ـ التي هي الحارة والباردة ـ على طريق التمثيل. فإن كان المرض حارا : عالجناه بإخراج الدم : بالفصد كان ، أو بالحجامة. لان في ذلك استفراغا للمادة ، وتبريدا للمزاج (٥). وإن كان باردا :
__________________
(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « في » ، وكل صحيح.
(٢) أخرجه : البخاري ، ومسلم ، وأحمد عن جابر. اه ق.
(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : « الكيفيبن » ، وهو تحريف.
(٤) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٩) : « فحاصل ». وكلاهما صحيح.
(٥) عبارة الأصل : « وتبريدا للخراج ». وعبارة الزاد : « تبريد للمزاج ». والصواب ما أثبتناه.