وهو صائم » ، ولكن : هل يفطر بذلك؟ أم لا؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ، لصحته عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من غير معارض. وأصح ما يعارض به : حديث حجامته وهو صائم. ولكن : لا يدل على عدم الفطر ، إلا بعد أربعة أمور : ( أحدها ) : أن الصوم كان فرضا. ( الثاني ) : أنه كان مقيما. ( الثالث ) : أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة. ( الرابع ) : أن هذا الحديث متأخر عن قوله : « أفطر الحاجم والمحجوم ». فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع : أمكن الاستدلال بفعله صلىاللهعليهوسلم ، على بقاء الصوم مع الحجامة. وإلا : فما المانع أن يكون الصوم نفلا يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها ، أو من رمضان لكنه في السفر ، أو من رمضان في الحضر لكن دعت الحاجة إليها (١) : كما تدعو حاجة من به مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضا من رمضان في الحضر من غير حاجة إليها ، لكنه مبقى على الأصل. وقوله : « أفطر الحاجم والمحجوم » ، ناقل ومتأخر. فتعين المصير إليه. ولا سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها؟!.
وفيها : دليل على استئجار الطبيب وغيره ، من غير عقد إجارة ، بل يعطيه أجرة المثل ، أو ما يرضيه.
وفيها : دليل على جواز التكسب بصناعة الحجامة ، وإن كان لا يطيب للحر أكل أجرته من غير تحريم عليه. فإن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أعطاه أجره ، ولم يمنعه من أكله. وتسميته إياه خبيثا : كتسميته للثوم والبصل خبيثين ، ولم يلزم من ذلك تحريمهما.
وفيها : دليل على جواز ضرب الرجل الخراج على عبده كل يوم شيئا معلوما ، بقدر طاقته ، وأن للعبد أن يتصرف فيما زاد على خراجه. ولو منع من التصرف فيه (٢) : لكان كسبه كله خراجا ، ولم يكن لتقديره فائدة. بل ما زاد على خراجه ، فهو تمليك من سيده له : يتصرف فيه كما أراد. والله أعلم.
__________________
(١) هذه الكلمة لم ترد في الزاد : ( ص ٨٣ ). وذكرها أولى من حذفها.
(٢) لم ترد هذه الكلمة في الزاد : ( ص ٨٣ ).