وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم إلينا لا ترجعون؟! ).
وحدثني : « أنه قرأها مرة في أذن المصروع ، فقالت الروح : نعم ، ومد بها صوته. قال : فأخذت له عصا ، وضربته بها في عروق عنقه ، حتى كلت (١) يداي من الضرب. ولم يشك الحاضرون : بأنه يموت لذلك الضرب. ففي أثناء الضرب ، قالت : أنا أحبه. فقلت لها : هو لا يحبك. قالت : أنا أريد أن أحج به. فقلت لها : هو لا يريد أن يحج معك. فقالت : أنا أدعه كرامة لك. ( قال ) قلت : لا ، ولكن : طاعة لله ولرسوله. قالت : فأنا أخرج منه. قال : فقعد المصروع يلتفت يمينا وشمالا ، وقال : ما جاء بي إلى حضرة الشيخ ، قالوا له : وهذا الضرب كله؟ فقال : وعلى أي شئ يضربني الشيخ ، ولم أذنب؟ ولم يشعر بأنه وقع به الضرب (٢) البتة » (٣).
وكان يعالج بآية الكرسي ، وكان يأمر بكثرة قراة المصروع ومن يعالجه بها ، وبقراءة المعوذتين.
وبالجملة : فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة. وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله ، تكون : من جهة قلة دينهم ، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ ، والتحصنات النبوية والايمانية. فتلقى الروح الخبيثة الرجل ، أعزل لا سلاح معه ، وربما كان عريانا : فيؤثر فيه هذا.
__________________
(١) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٨٥) : « تخلت ». وكل صحيح ، وإن كان ما في الأصل أنسب.
(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « ضرب ».
(٣) الصرع هو : مرض عصبي ينتج من تهيج خلايا المخ ، ويمتاز بحصول نوبات تشنجات في جميع أعضاء الجسم ، وخروج ريم أحيانا ما يكون مدمما : نتيجة قرص اللسان بالأسنان. ويعقب التشنجات تقلص في جميع عضلات الجسم لمدة قصيرة يتبعها ارتخاء العضلات ، ودخول المريض في نوم عميق. ويكون المريض أثناء النوم غائبا تماما عن وعيه : لا يدرى إطلاقا ما حدث. وعلاجه : إعطاء مهدئات.
ولكن بعض الحالات النفسية ـ المسماة بالهستريا العصبية ـ تشابه في أعراضها الظاهرة الصرع : مما لا تخفى على فطنة الأطباء. ففي هذه الحالات الأخيرة ، قد يفيد الضرب أو التعذيب أو العقاب : كعلاج لمثل هذه الحالات. اه د.