فأما الفقهي ، فالذي استقرت عليه سنته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إباحة الحرير للنساء مطلقا ، وتحريمه على الرجال إلا لحاجة ، أو مصلحة راجحة. فالحاجة إما من شدة البرد : ولا يجد غيره ، أو لا يجد سترة سواه. ومنها : إلباسه (١) للحرب والمرض ، والحكة وكثرة القمل. كما دل عليه حديث أنس هذا الصحيح.
والجواز أصح الروايتين عن الإمام أحمد ، وأصح قولي الشافعي. إذ (٢) الأصل : عدم التخصيص. والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى ، تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى. إذ الحكم يعم بعموم سببه.
ومن منع منه قال : أحاديث التحريم عامة ، وأحاديث الرخصة يحتمل اختصاصها بعبد الرحمن بن عوف والزبير ، ويحتمل تعديها إلى غيرهما. وإذا احتمل الأمران : كان الاخذ بالعموم أولى. ولهذا قال بعض الرواة في هذا الحديث : « فلا أدرى : أبلغت الرخصة من بعدهما ، أم لا؟ ».
والصحيح : عموم الرخصة ، فإنه عرف خطاب الشرع في ذلك ، ما لم يصرح بالتخصيص وعدم إلحاق غير من رخص له أولا به. كقوله لأبي بردة : « تجزيك ولن تجزى عن أحد بعدك ». وكقوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم ـ في نكاح من وهبت نفسها له ـ : ( خالصة لك من دون المؤمنين ). وتحريم الحرير إنما كان سدا للذريعة ، ولهذا أبيح للنساء ، وللحاجة والمصلحة الراجحة. ( وهذه قاعدة ) (٣) ما حرم لسد الذرائع : فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة. كما حرم النظر : سدا لذريعة الفعل ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة. وكما حرم التنفل بالصلاة في أوقات النهى : سدا لذريعة. المشابهة الصورية بعباد الشمس ، وأبيحت للمصلحة الراجحة. وكما حرم ربا الفضل :
__________________
(١) كذا بالزاد (ص ٨٨). وفى الأصل : « ومنهما لباسه ». وهو تحريف.
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : « إذا » ، وهو خطأ وتحريف.
(٣) هذه الزيادة : عن الزاد ( ص ٨٨ ).