الموافقة ، والاخبار السارة. فإن الطبيب خادم الطبيعة ومعينها ، لا معيقها.
واعلم أن الدم الجيد هو المغذى للبدن ، وأن البلغم دم فج (١) قد نضج بعض النضج. فإذا كان بعض المرضى في بدنه بلغم كثير ـ وعدم الغذاء ـ : عطفت الطبيعة عليه ، وطبخته وأنضجته ، وصيرته دما وغذت به الأعضاء ، واكتفت به عما سواه. والطبيعة هو : القوة التي وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته ، وحراسته مدة حياته.
واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب. وذلك في الأمراض التي يكون معها اختلاط العقل.
وعلى هذا : فيكون الحديث من العام المخصوص ، أو من المطلق الذي قد دل على تقييده دليل. ومعنى الحديث : أن المريض قد يعيش بلا غذاء أياما ، لا يعيش الصحيح في مثلها.
وفى قوله صلىاللهعليهوسلم : « فإن الله يطعمهم ويسقيهم » ، معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء ، لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح ، وتأثيرها في طبيعة (٢) البدن وانفعال الطبيعة عنها ، كما تنفعل هي كثيرا عن الطبيعة. ونحن نشير إليه إشارة ، فنقول : النفس إذا حصل لها ما يشغلها ـ : من محبوب ، أو مكروه ، أو مخوف. ـ اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب : فلا تحس بجوع ولا عطش ، بل ولا حر ولا برد. بل تشتغل به عن الاحساس بالمؤلم (٣) الشديد الألم ، فلا تحس به. وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئا منه. وإذا اشتغلت النفس بما دهمها وورد عليها : لم تحس بألم الجوع.
فإن كان الوارد مفرحا قوى التفريح : قام لها مقام الغذاء ، فشبعت به ، وانتعشت قواها وتضاعفت ، وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه ، فيشرق وجهه ، وتظهر دمويته. فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب ، فينبعث في العروق ، فتمتلئ به.
__________________
(١) أي نيئ!!!. اه ق.
(٢) كذا بالزاد : (ص ٩٢). وفى الأصل : « طبية » ، وهو تحريف.
(٣) كذا بالأصل. وفى الزاد : « المؤلم » ، وهو تحريف.