وحسب هذا دليلاً لمعرفة صحة ما نقول من أنّ مودّتها ميزان للإسلام والإيمان.
وعليه ، فالأجر على الرسالة لابدّ أن يرتبط بأصل الرسالة ، ولا معنى لما يقال من إرادة التودّد العاطفي البحت لذوي القربى ، بل المعنيّ به هو أنّ هذه النخبة الصالحة هي التجسيد الواقعي للدين وصمّام الأمان للرسالة ، وأنّ التودّد إليهم سيعود بالنفع على الناس قبل النفع على القربى ، لأنّها لا تز يد القربى مقاماً ومنزلة إذ منزلتهم محفوظة من عند الله ، فهم مستودع العلم وظرف الرسالة ، وهذا ما صرّح به الذكر الحكيم بقوله (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لا (المودة للقربى) ، وفي هذا إيماء لطيف إلى أنّهم غير محتاجين إلى مودة الناس ، بل إنّ مودّتهم تؤدّي بالناس إلى الخير والصلاح ، لأنّ التودّد الذي تكون القربى ظرفاً له سيربطهم بالرسالة وصاحبها ارتباطاً وثيقاً ترجع خيراته إلى الناس ، وهو لطف من الله للبشر ، إذ جعل مودّة أهل بيتِ رسولِهِ سبباً لنجاتهم من الهلكة ، وهي من قبيل جعل حب الإمام عليّ وبغضه مقياساً لمعرفة المؤمن من المنافق ، وقد كان المنافقون من الصحابة يُعرَفُون ببغضهم لعليّ بن أبي طالب ، فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري قوله :
«إنّا كنّا نعرف المنافقين ـ نحن معاشَر الأنصار ـ ببغضهم عليّ بن أبي طالب» (١).
وورد عن عُبادة بن الصامت قوله : كنا نبور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب ،
__________________
المنثور ٤ : ١٥٣ والمستدرك للحاكم ٣ : ١٥٦ ، والمناقب لابن المغازلي : ٣٥٧ ، وتاريخ الخميس ١ : ٢٧٧.
(١) أُسد الغابة ٤ : ٣٠.