(٣) (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) أي ولى فيها مصالح ومنافع أخرى غير ذلك كحمل الزاد والسقي وطرد السباع عن الغنم ، وإذا شئت ألقيتها على عاتقى ، فعلّقت بها قوسى وكنانتى ومخلاتى وثوبى ، وإذا وردت ماء قصر عنه رشائى وصلته بها.
وقد أجمل عليه السلام فى المآرب رجاء أن يسأله ربه عنها ، فيسمع كلامه مرة أخرى ويطول الحديث بهذا.
وبعد أن ذكر هذه الجوابات أمره بإلقائها ، لتتبين لها فوائد لم يعرفها من قبل.
(قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) أي قال له ربه : ألقها يا موسى لترى من شأنها ما ترى ، فألقاها فإذا هى ثعبان عظيم ينتقل من مكان إلى آخر مسرعا ، وجاء تشبيهها بالجان وهو الصغير من الحيات فى قوله (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) لما ظهر لها من سرعة الحركة والقوة ، لا لصغرها.
ثم أمره بأخذها وهى على تلك الحال دون خوف ولا ذعر.
(قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ) أي قال له ربه : خذها بيمينك ولا تخف منها.
وهذا الخوف مما تقتضيه الطبيعة البشرية حين مشاهدة الأمر الجلل الذي لا يعرف له نظير ، ولا يدرك له سبب ، ولا ينقص ذلك من جلالة قدره عليه السلام.
ثم علل النهى عن الخوف بقوله :
(سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) أي سنرجعها إلى الحال التي كانت عليها من قبل وهى العصوية فأقدم على ذلك برباطة جأش دون تردد ولا ذعر.
(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥))