وبما حدث من فتنة السامري لبنى إسرائيل ورجوع موسى إليهم غضبان أسفا ، ثم معاقبته لهم على ما صنعوا ، ثم ذكر الحيلة التي فعلها السامري حين أخرج لهم من حليهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ، فرد الله عليهم ووبخهم بأن هذا العجل لا يجيبهم إذا سألوه ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فى دينهم ولا دنياهم.
الإيضاح
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى؟) المراد بالقوم النقباء السبعون ، وإعجاله عنهم تقدمه عليهم ، أي أىّ شىء عجّل بك عن قومك ، وجعلك تتقدمهم؟.
والمراد الإنكار عليه فى تقدمه عليهم ، لأن ذلك يقتضى إغفال أمرهم وعدم العناية بهم ، مع أنه مأمور باستصحابهم وإحضارهم معه ، وإنكار للعجلة فى ذاتها أيضا ، ولا سيما من أولى العزم الذين يجدر بهم مزيد الجزم.
(قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي قال موسى مجيبا ربه : هم أولاء بالقرب منى آتون على أثرى ، وما تقدمتهم إلا بخطإ يسيرة لا يعتدّ بها ، وليس بينى وبينهم إلا مسافة قريبة ، يتقدم بها بعض الرفقة على بعض.
(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي وعجلت إليك رب لتزداد عنى رضا ، بالمسارعة إلى امتثال أمرك ، والوفاء بعهدك.
وخلاصة معذرته ـ إنى اجتهدت أن أتقدم قومى بخطإ يسيرة ، ظنا منى أن مثل ذلك لا ينكر ، فأخطأت فى اجتهادي ، وقد حملنى على ذلك طلب الزيادة فى مرضاتك ، وكأنه عليه السلام يقول : إنما أغفلت هذا الأمر مبادرة إلى رضاك ومسارعة إلى الميعاد ، والموعود بما يسرّ يود لو ركب أجنحة الطير ليحظى بما يبتغى ويريد.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) أي قال : إنا قد اختبرنا قومك الذين خلفتهم مع هرون من بعد فراقك. قال ابن الأنبارى : صيّرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل