وإشفاق من الذم) فقال (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً)».
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) أي فانطلق الخضر وموسى بعد المرتين الأوليين حتى وصلا إلى قرية طلبا من أهلها أن يطعموهما فأبوا أن يضيفوهما ، وفى الحديث «كانوا أهل قرية لئاما بخلاء» وفى قوله (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) دون أن يقول فأبوا أن يطعموهما ـ زيادة تشنيع عليهم ، ووصفهم بالدناءة والشح ، فإن الكريم قد يرد السائل المستطعم ولا يعاب ، ولكن لا يرد الغريب المستضيف إلا لئيم ، ألا تراهم يقولون فى أهاجيهم. فلان يطرد الضيف.
وعن قتادة : شر القرى التي لا يضاف فيها ، ولا يعرف لا بن السبيل حقه (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) أي فوجدا فى القرية حائطا مائلا مشرفا على السقوط فمسحه بيده فقام واستوى ، وكان ذلك من معجزاته.
(قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أي قال موسى ذلك تحريضا للخضر وحثا له على أخذ الجعل (الأجر) على فعله ، لإنفاقه فى ثمن الطعام والشراب وسائر مهامّ المعيشة.
(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) أي قال الخضر عليه السلام لموسى : هذا الاعتراض المتوالى منك هو سبب الفراق بينى وبينك بحسب ما شرطت على نفسك ، وإنما كان هذا سبب الفراق دون الأولين ، لأن ظاهرهما منكر فكان معذورا دون هذا ، إذ لا ينكر الإحسان إلى المسيء بل يحمد.
(سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي سأخبرك بعاقبة هذه الأفعال التي صدرت منى ، وهى : خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، ومآلها خلاص السفينة من اليد الغاصبة ، وخلاص أبوى الغلام من شره مع الفوز ببدل حسن ، واستخراج اليتيمين للكنز.
وفى قوله : (بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) دون أن يقول بتأويل ما فعلت ، أو بتأويل ما رأيت ونحوهما ـ تعريض به عليه السلام وعتاب له :