اعلم أخى وفقك الله أن فى هاتين الآيتين وما شاكلهما من الآيات سرّا من أسرار التنزيل ووجها من وجوه إعجازه ، إذ فيهما معرفة حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنا.
بيان هذا : أن صلب الإنسان هو عموده الفقرى (سلسلة ظهره) وترائبه هى عظام صدره ، ويكاد معناها يقتصر على حافة الجدار الصدرى السفلى.
وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا فى منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب ، وذهب فيها المفسرون مذاهب شتى على قدر ما أوتى كل منهم من علم ، وإن كان بعيدا عن الفهم الصحيح والرأى السديد.
ذاك أنه فى الأسبوع السادس والسابع من حياة الجنين فى الرحم ينشأ فيه ما يسمى (جسم وولف وقناته) على كل جانب من جانبى العمود الفقرى ، ومن جزء من هذا تنشأ الكلى وبعض الجهاز البولى ، ومن جزء آخر تنشأ الخصية فى الرجل والمبيض فى المرأة.
فكل من الخصية والمبيض فى بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصّلب والترائب ، أي ما بين منتصف العمود الفقرى تقريبا ومقابل أسفل الضلوع.
ومما يفسر لنا صحة هذه النظرية أن الخصية والمبيض يعتمدان فى نموهما على الشريان الذي يمدهما بالدم ، وهو يتفرع من الشريان الأورطي فى مكان يقابل مستوى الكلى الذي يقع بين الصلب والترائب ، ويعتمدان على الأعصاب التي تمد كلا منهما وتتصل بالضفيرة الأورطية ثم بالعصب الصدرى العاشر ، وهو يخرج من النخاع من بين الضلع العاشر والحادي عشر ، وكل هذه الأشياء تأخذ موضعها فى الجسم فيما بين الصلب والترائب.
فإذا كانت الخصية والمبيض فى نشأتهما وفى إمدادهما بالدم الشرياني وفى ضبط نشئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا فى ذلك كله على مكان فى الجسم يقع بين الصلب والترائب