أحد؟ ما أجهله إذا ظن ذلك ، فإن فى الوجود قوة جميع القوى هى المهيمنة على كل قوة ، والمسيطرة على كل قدرة ، وهى القوّة التي أبدعته ، والقدرة التي أنشأته.
ثم ذكر صنفا آخر من الأغنياء البخلاء المرائين فقال :
(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي إنهم إذا طلب إليهم أن يعملوا عملا من أعمال البر قالوا : إننا ننفق الكثير من أموالنا فى المفاخر والمكارم ، ولم يعلموا أن المكرمة ما عدّه الله مكرمة ، والبرّ ما اعتبره الله برا ، فليس من البر إنفاقهم المال فى مشاقة الله ورسوله ، ولا إنفاقهم طائل الأموال فى الصدّ عن سبيل الله ، والكيد للذين آمنوا بالله ورسوله.
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) أي أيظن ذلك المغتر بماله ، المدعى أنه أنفقه فى سبيل الخير ـ أن الله لم يطلع على أفعاله ؛ ولم يعلم ما دعاه إلى الإنفاق؟ إنه لا ينبغى له أن يظن ذلك ، فإن البارئ له مطلع على قرارة نفسه ، عالم بخبيئات قلبه ، لا يعزب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، عليم بأنه لم ينفق شيئا من ماله فى سبيل الخير المشروع والبر المحمود ، وإنما أنفق ما أنفق للرياء والسمعة ، أو لمشاقة الله ورسوله ، أو فى وجوه أخرى يظنها خيرا وهى خسران وضلال مبين.
وبعد أن أنكر على هؤلاء اغترارهم بقوتهم وكثرة أموالهم ـ شرع يذكر آثار قدرته الغالبة ، ليبين لهم أن هناك قوة لها من الآثار ما هم يشاهدون فقال :
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) فهو إذا أبصر شيئا فإنما يكون ذلك بما خلقنا له من العينين ، فهذه النعمة التي يعتز بها إنما هى من عملنا.
(وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) فإذا أبان عما فى نفسه ، فإنما يبين بما وهبنا له من لدنا من تلك الجارحة التي يتكلم بها ، فإذا غرّه حديثه ، أو قوة حجته ، فليس فضل ذلك راجعا إليه ، وإنما الفضل لمن وهبه ذلك.