لأنهم يستعملونهما فيما يرضى ربهم ، ويعود عليهم بالنفع فى دينهم ودنياهم.
ثم حذر من الطغيان وأنذر من عاقبته ، وأبان أن ما بيد الطاغي عارية ، وليست نفسه بباقية ، وأن مرجع الأمر كله لله فقال :
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي إن المرجع إلى ربك وحده ، وهو مالك أمرك وما تملك ، وسيتبين لك عظيم غرورك حينما تخرج من هذه الحياة ، وتظهر فى مظهر الذل ، وتحاسب على كل ما اجترحته فى حياتك الأولى ، قلّ أو كثر ، عظم أو حقر كما قال : «وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ».
ثم أعقب ما تقدم بالوعيد والتهديد والتعجيب فقال :
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى. عَبْداً إِذا صَلَّى) أي أخبرنى عن حال هذا الأحمق ، فإن أمره لعجب ، فقد بلغ به الكبر والتمرد والعناد أن ينهى عبدا من عبيد الله عن صلاته ويعتقد أنه يجب عليه طاعته ، وهو ليس بخالق ولا رازق ، فكيف يستسيغ ذلك لنفسه ، ويعرض عن طاعة الخالق الرازق.
وقد روى أن عليا كرم الله وجهه رأى قوما يصلون قبل صلاة العيد فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقيل له : ألا تنهاهم؟ فقال : أخشى أن أدخل تحت قوله تعالى : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى».
(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) أي أخبرنى عن حال ذلك الطاغية لو تخلق بأخلاق المصلحين ، ودعا إلى البر وتقوى الله ، أما كان ذلك خيرا له من الكفر به والنهى عن طاعته ، فإن ذلك يفوّت عليه أعلى المراتب ، ويجعله فى أحط الدركات وأدناها.