والخلاصة ـ أما كان الأفضل له أن يهتدى ويهدى غيره إلى خصال البر والخير ، وقد كانت هذه حال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فعمله كان إما فى إصلاح نفسه بالعبادات من صلاة وصيام وغيرهما ، وإما فى إصلاح غيره بأمره بالتقوى ودعائه إليها.
(أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) أي أنبئنى عن حال هذا الكافر ، إن كذب بدلائل التوحيد الظاهرة. وأمارات القدرة الباهرة ، وأعرض عن دعوتك والاستماع لهديك ، ودعا الناس إلى مثل ذلك أفلا يخشى أن تحل به قارعة ، ويصيبه من عذاب الله ما لا قبل له باحتماله؟ ألا عقل له يرشده إلى أن خالق هذا الكون مطلع على عمله ، وأنه حكيم لا يهمل عقابه ، وأنه سيؤاخذه بكل ما اقترف من جرم؟
ولا يخفى ما فى هذا من تهديد وتخويف للعصاة والمذنبين.
ثم زاد فى الزجر والوعيد فقال :
(كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) أي لا يستمرنّ بهذا الكافر جهله وغروره وطغيانه ، قسما لئن لم ينته عن هذا الطغيان ، ويكفّ عن نهى المصلى عن صلاته لنأخذن بناصيته ولنذيقنه العذاب الأليم.
ألا إن تلك الناصية لكاذبة لغرورها بقوتها ، مع أنها فى قبضة خالقها ، فهي تزعم ما لا حقيقة له ، وإنها لخاطئة ، لأنها طغت وتجاوزت حدها ، وعتت عن أمر ربها.
ونسبة الكذب والخطيئة إلى الناصية ، والكاذب والمخطئ صاحبها ، من قبل أنها مصدر الغرور والكبرياء.
وقد أمر هذا الكافر على ضرب من التهكم والتوبيخ بأن يدعو أهل الدفاع من قومه وذوى النجدة والبطش لينقذوه مما سيحل به فقال :
(فَلْيَدْعُ نادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) أي فليجمع أمثاله ممن ينتدى معهم ليمنع المصلين المخلصين ، ويؤذى أهل الحق الصالحين ، فإنه إن فعل ذلك تعرض لسخط