تنبعث منها أشعة الحق كما قال : «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ» وفيها الصحيح القويم من كتب الأنبياء السابقين كموسى وعيسى وإبراهيم كما قال «وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ» ، وقال : «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى».
وقد يكون المراد بالكتب سور القرآن وآياته فإن كل سورة منه كتاب قويم ، أو الأحكام والشرائع التي تضمنها كلام الله ، والتي بها يتبين الحق من الباطل كما قال : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ، قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ».
وقصارى ذلك ـ إن حال الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين بعد محى الرسول تخالف حالهم قبلها ، فقد كانوا قبل مجيئه كفارا يتيهون فى عماية من الأهواء والجهالات ، فلما بعث آمن به قوم منهم ، فلم تبق حالهم كما كانت قبل ، إلى أنهم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كانوا جازمين بما هم عليه ، واثقين بصحته ، فلما بعث إليهم تغيرت حال جميعهم ، فمنهم من آمن به ، واعتقد أن ما كان فيه ضلال وباطل ، ومنهم من لم يؤمن ولكنه صار مترددا فى صحة ما هو عليه ، أو هو واثق بعدم صحته ، ولكن يمنعه العناد والتكبر والاقتداء بالآباء من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم عن تفرق القوم فى شأنه فقال :
(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي لا تبخع نفسك عليهم حسرات ، ولا يكوننّ فى صدرك حرج منهم ، فإن هذا شأنهم الذي درجوا عليه ، وديدنهم وديدن أسلافهم الذين بدلوا وافتروا على أنبيائهم ، وتفرقوا طرائق قددا حتى صار أهل كل مذهب يبطل ما عند غيره بغيا وعدوانا وقولا بالتشهى والهوى ، ولم يكن تفرقهم لقصور حجتك أو خفاء شأنك عليهم ، فهم إن يجحدوا