وهذا الإجلال الذي ملك نفوس العرب من البيت الحرام ، إنما هو من تسخير رب البيت سبحانه ، وقد حفظ حرمته ، وزادها فى نفوس العرب ردّ الحبشة عنه حين أرادوا هدمه ، وإهلاكهم قبل أن ينقضوا منه حجرا ، بل قبل أن يدنوا منه.
ولو نزلت مكانة البيت من نفوس العرب ، ونقصت حرمته عندهم ، واستطالت الأيدى على سفّارهم لنفروا من تلك الرحلات ، فقلّت وسائل الكسب بينهم ، لأن أرضهم ليست بذات زرع ولا ضرع ، وما هم بأهل صناعة مشهورة يحتاج إليها الناس فيأتوهم وهم فى عقر ديارهم ليأخذوا منها ، فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات.
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) الذي حماه من الحبشة وغيرهم ، ومكّن منزلته فى النفوس ، وكان من الحق أن يفردوه بالتعظيم والإجلال.
ثم وصف رب هذا البيت بقوله :
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي إنه هو الذي أوسع لهم الرزق ، ومهد لهم سبله ، ولولاه لكانوا فى جوع وضنك عيش.
(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي وآمن طريقهم ، وأورثهم القبول عند الناس ، ومنع عنهم التعدي والتطاول إلى أموالهم وأنفسهم ، ولولاه لأخذهم الخوف من كل مكان فعاشوا فى ضنك وجهد شديد.
وإذا كانوا يعرفون أن هذا كله بفضل رب هذا البيت ، فلم يتوسلون إليه بتعظيم غيره ، وتوسيط سواه عنده؟ مع أنه لا فضل لأحد ممن يوسطونه فى شىء من النعمة التي هم فيها ، نعمة الأمن ونعمة الرزق : وكفاية الحاجة.
اللهم ألهم قلوبنا الشكر على نعمك التي تترى علينا ، وزدنا بسطة فى العلم والرزق.