كنهه العقول ، ولا تحويه الأمكنة ، ولا تمر به الأزمنة ، ولا يتقرّب إليه بالشفعاء ، ولا تقدم إليه الوسائل.
وعلى الجملة فبين ما تعبدون وما أعبد ، فارق عظيم ، وبون شاسع ، فأنتم تصفون معبودكم بصفات لا يجمل بمعبودى أن يتصف بها.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي إنكم لستم بعابدين إلهى الذي أدعو إليه لمخالفة صفاته لإلهكم ، فلا يمكن التوفيق بينهما بحال.
وبعد أن نفى الاختلاف فى المعبود نفى الاختلاف فى العبادة ، من قبل أنهم كانوا يظنون أن عبادتهم التي يؤدونها أمام شفعائهم. أو فى المعابد التي أقاموها لها أو فى خلواتهم وهم على اعتقادهم بالشفعاء عبادة خالصة لله ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفضلهم فى شىء فقال :
(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا أنا بعابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتى قاله أبو مسلم الأصفهانى.
وخلاصة ما سلف ـ الاختلاف التامّ فى المعبود ، والاختلاف البيّن فى العبادة فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة ، لأن معبودى منزه عن الندّ والنظير ، متعال عن الظهور فى شخص معين ، وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه ، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك.
كما أن عبادتى خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة.
ثم هددهم وتوعدهم فقال :
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم جزاؤكم على أعمالكم ولى جزائى على عملى كما جاء فى قوله تعالى : «لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ».
وصل ربنا على محمد الذي جعل الدين لك خالصا ، وعلى آله وصحبه أجمعين.