(مَلِكِ النَّاسِ) أي مالكهم ومدبر أمورهم ، وواضع الشرائع والأحكام التي فيها سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
(إِلهِ النَّاسِ) أي المستولى على قلوبهم بعظمته ، وهم لا يحيطون بكنه سلطانه بل يخضعون بما يحيط منها بنواحي قلوبهم ، ولا يدرون من أىّ جانب يأتيهم ، ولا كيف يسلط عليهم.
وإنما قدم الربوبية ، لأنها من أوائل نعم الله على عباده ، ثم ثنى بذكر المالكية لأن العبد إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مفكرا ، ثم ثلّث بذكر الألوهية ، لأن المرء بعد أن يدرك ويعقل يعلم أنه هو المستوجب للخضوع والعزة والمستحق للعبادة وإنما قال : رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، وهو رب كل شىء ومالك كل شىء وإله كل شىء من قبل أن الناس هم الذين أخطئوا فى صفاته وضلوا فيها عن الطريق السوىّ ، فجعلوا لهم أربابا ينسبون إليهم بعض النعم ، ويلجئون إليهم فى دفع النقم ، ويلقبونهم بالشفعاء ، ويظنون أنهم هم الذين يدبرون حركاتهم ، ويرسمون لهم حدود أعمالهم.
وبحسبك أن تقرأ قوله تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» وقوله : «وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟».
والخلاصة ـ إنه سبحانه أراد أن ينبه الناس بأنه هو ربهم ، وهم أناس مفكرون ، وملكهم وهم كذلك ، وإلههم وهم هكذا ، فباطل ما اخترعوا لأنفسهم من حيث هم بشر.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) أي ألجأ إليك ربّ الخلق وإلههم ومعبودهم أن تنجينا من شر الشيطان الموسوس الكثير الخنوس والاختفاء ، لأنه يأتى من ناحية