(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) أي واستمعت وأطاعت أوامره لأنها فى قبضة القدرة الإلهية تصرّفها فى الفناء ، كما صرفتها فى الابتداء.
وجواب «إِذَا» الذي صدّرت به السورة محذوف لإرادة التهويل على المخاطبين ، فكأنه قيل : إذا كان الأمر كذا وكذا مما تقدم ذكره ـ ترون ما عملتم من خير أو شر فاكدحوا لذلك اليوم ، تفوزوا بالنعيم.
وقصارى ذلك ـ وصف أحوال العالم يوم القيامة «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» وأنه يكون على غير حاله التي هو عليها فى هذه الحياة ، فتبدل الأرض غير الأرض والسموات غير السموات ، ويبرز الناس للحساب على ما قدموا فى حياتهم من عمل فيجازيهم على الإحسان إحسانا ، وعلى الإساءة السوءى ، وعلينا أن نؤمن بذلك كله ، ونكل علم حقيقته ، ومعرفة كنهه إلى الله تعالى الذي لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) أي أيها الإنسان ، إنك عامل فى هذه الحياة ومجدّ فى عملك ، ومبالغ فى إدراك الغاية إلى أن تنتهى حياتك ، وإن كنت لا تشعر بجدك ، أو تشعر به وتلهو عنه ، وكل خطوة فى عملك فهى فى الحقيقة خطوة إلى أجلك ، وهناك لقاء الله ، فالموت يكشف عن الروح غطاء الغفلة ويجلو لها وجه الحق ، فتعرف من الله ما كانت تنكره ، ويوم البعث يرتفع الالتباس.
ويعرف كل عامل ما جرّ إليه عمله.
والناس حينئذ صنفان :
(١) (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي فأما من عرض عليه سجلّ أعماله وتناوله بيمينه ، فإنه يحاسب أيسر الحساب ، إذ تعرض عليه أعماله فيعرّف بطاعته وبمعاصيه ، ثم يثاب على ما كان منها طاعة ، ويتجاوز له عما كان منها معصية.