أنبأنا المبارك بن سالم ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، نبأنا يموت بن المزرّع ، نبأنا يزيد بن محمّد المهلّبي ، حدثني أبي ، حدّثني شيخ من بني سعد بن زيد قال : خرجت أنا ورفيق لي من السعديين قاصدين (١) مناهل العرب فرفعت لنا نيران خلت أنها نيران حي بني سعد فقصدناها فإذ القوم عذريون وإذا أنا بامرأة في هودج قد خلا بها ومعها غليم فسلّمنا فردّت علينا فقلنا : من هذا الغلام؟ فقالت : هذا مح أملح هذا ابن ابني ، فقلنا لها أتروين من شعر جميل شيئا؟ فقالت : لا ، إن رجالنا كانوا يغارون علينا من شعر جميل لأن بثينة كانت من رهطنا ، وثم نزلت وناخت بعيرها فآنسنا إليها فقالت : إن السّلطان كان نذر دم جميل فأباحنا إياه فانقطع عنا مدة ، فو الله إني لفي ذات يوم أنا وبثينة نسترم غزلا لنا والحي خلوف ، فما شعرنا إلّا وقد انحدر (٢) علينا جميل فقلت : من أين يا جميل؟ فقال : أنا والله في هذه الخضراء منذ ثلاثة ورأيته ملوكا كأنه في ثنايا علة فقلت له : فما الذي أصابك إلى ما أرى يا جميل؟ قال : هذه الغول التي وراءك ، فقلت لبثينة : أما ترين الجوع في وجهه ، فوثبت إلى أقط (٣) مطحون فجعلته في قعب ونرقته (٤) بسمن ورفعته إليّ فناولته جميلا فلعق منه لعقات ثم قال : إني أريد مصر وجئت لأودعكم ثم مضى فكان ذلك آخر العهد به ، انتهى.
أنبأنا أبو القاسم العلوي ، نبأنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا تمام بن محمّد البجلي ، حدّثني أبي أبو الحسين قال : وحدثني محمد بن أحمد بن جعفر الأهوازي قال : قدم جميل بن عبد الله بن معمر على عبد العزيز بن مروان بمصر ، فدخل حماما لهم فإذا في الحمام شيخ من أهل مصر ، وكان جميل رجلا جسيما وسيما فقال له الشيخ : يا فتى كأنك لست من هذه البلدة! قال : أجل قال : حدّثنا فمن أين أنت؟ قال : من الحجاز قال : من أيّ أهل الحجاز؟ قال : رجل من بني عذرة قال : فما اسمك؟ قال جميل بن عبد الله بن معمر ، قال : صاحب بثينة؟ قال : نعم ، قال : فما رأيت فيها يا ابن أخي فو الله لقد رأيتها ولو ذبح بعرقوبها طائر لا نذبح ، فقال له جميل : يا عمّ إنك لم ترها
__________________
(١) غير مقروءة بالأصل ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن الأغاني ٨ / ١٥٢.
(٣) اللفظة شطبت بخط بالأصل وعليها علامة ، وعلى هامشه «أقط» وهو ما أثبت وانظر الأغاني. والأقط : لبن مجفف يابس يطبخ به.
(٤) كذا.