بعيني ، ولو نظرت إليها بعيني لأحببت أن تلقى الله تعالى وأنت زان ، انتهى.
قال : ومرض جميل بمصر مرضه الذي مات فيه فدخل عليه العبّاس بن سعد السّاعدي وهو يجود بنفسه فقال له جميل : يا عبّاس ما تقول في رجل لم يقتل نفسا ، ولم يزن قطّ ، ولم يسرق قطّ ولم يشرب خمرا قطّ ، أترجو له؟ فقال له العبّاس : إي والله ، قال : فقال جميل : إني لأرجو أن أكون ذلك الرجل. قال العبّاس : فقلت له : سبحان الله ، وأنت تتبع بثينة منذ ثلاثين سنة ، فقال : يا عبّاس إني لفي آخر يوم من الأيام أيام الدنيا ، وأوّل يوم من أيّام الآخرة ، لا نالتني شفاعة محمّد صلىاللهعليهوسلم إن كنت وضعت يديّ عليها قطّ. قال : ومات رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو الحسن بن العلاف في كتابه ، وأخبرني عنه أبو المعمر الأنصاري حينئذ ، وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو علي بن المسلمة وأبو الحسن العلاف ، قالا : أنبأنا عبد الملك بن محمّد بن بشران ، نبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، أنبأنا أبو جعفر الخرائطي ، أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن عيسى الزّهري ، نبأنا الزبير بن بكّار ، عن عبّاس بن سهل السّاعدي ، قال : بينما أنا بالشام إذا لقيني رجل من أصحابي وقال : هل لك في جميل فإنه ثقيل نعوده فدخلنا عليه ، وهو يجود بنفسه وما يخيل إليّ أن الموت يكرثه (١) فنظر إليّ ثم قال : يا ابن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يزن ولم يقتل نفسا ، يشهد أن لا إله إلّا الله ، قلت : أظنه قد نجا وأرجو له الجنة ، فمن هذا الرجل؟ قال : أنا ذاك الرّجل ، قلت له : والله ما أحسبك سلمت وأنت تتشبب منذ عشرين سنة ببثينة. قال : لا نالتني شفاعة محمّد صلىاللهعليهوسلم يوم القيامة فإني في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدّنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قطّ ، فما برحنا حتى مات رحمة الله عليه (٢) ، انتهى.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ، أنبأنا عبد الرحمن بن محمّد المكتب ، وعبد الله بن عبد الرحمن المقرءان ، قالا : أنبأنا أبو الحسن بن رشيق ، أنبأنا أبو بشر الدّولابي ، حدّثني الجويني يعني أبا بكر أحمد بن محمّد بن القاسم ، حدثني ابن عفير ، عن أبيه ،
__________________
(١) عن الشعر والشعراء ص ٢٦٦ وبالأصل «يكثر».
(٢) الخبر في الوافي بالوفيات ١١ / ١٨٥.