يرون ثم يدع ذلك فيريهم حمارا يجيء يشتد حتى يدخل من فيه فيخرج من دبره ثم يعود فيدخل من دبره فيخرج من فيه ، ثم يريهم رجلا قائما ثمّ يضرب عنقه فيقع رأسه جانبا ويقع جسده جانبا ، ثم يقول له قم ، فيرونه يقوم ، وقد عاد حيا كما كان ، فرأى جندب بن كعب ذلك ، فخرج إلى (١) معقل مولى الصقعب بن زهير بن أنس الأزدي ، وكانت عنده سيوف ، وكان معقل صيقلا ، فقال : أعطني سيفا قاطعا ، فأعطاه إيّاه ، فأقبل فمرّ على معضد التيمي من بني تيم الله بن ثعلبة ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله؟ قال : أريد أن أقتل هذا الطاغوت الذي الناس عليه علوق قال : من تعني؟ قال : هذا العلج السّاحر الذي سحر أميرنا الفاجر العاتي ، فإني والله لقد مثّلت الرأي فيهما فظننت أني إن قتلت الأمير سيوقع بيننا فرقة تورث عداوة ، فأجمع رأيي على قتل السّاحر ، قال : فاقتله ولا تك في شك فأنت على هدى وأنا شريكك.
فجاء حتى انتهى إلى المسجد والناس فيه مجتمعون على السّاحر ، وقد التحف على السيف بمطرف كان عليه ودخل بين الناس فقال : أفرجوا أفرجوا ، فأفرجوا له ، فدنا من العلج فشد عليه فضربه بالسّيف فأذرى رأسه ، ثم قال : أحي نفسك ، فقال الوليد : علي به ، فأقبل به إليه عبد الرّحمن بن خنيس الأسدي ، وهو على شرطه فقال : اضرب عنقه ، فقام مخنف بن سليمان في رجال من الأزد فقالوا : سبحان الله أتقتل صاحبنا بعلج ساحر ، لا يكون هذا أبدا فحالوا بين عبد الرّحمن وبين جندب ، فقال الوليد : علي بمضر فقام إليه شبيث بن ربعي ، فقال : لم تدعوا بمضر تريد أن تستعين بمضر على قوم منعوا أخاهم منك أن تقتله برجل بعلج ساحر كافر من أهل السّواد ، لا تجيبك ، والله مضر إلى الباطل ، ولا إلى ما لا يحمد ، قال الوليد : انطلقوا به إلى السّجن حتى أكتب فيه إلى عثمان ، قالوا : أمّا السجن فإنا لا نمنعك من أن تحبسه ، فلمّا حبس جندب أقبل ليس له عمل إلّا الصّلاة اللّيل كله ، وعامة النهار ، فنظر إليه رجل يدعى دينار ، ويكنى أبا سنان ، وكان صالحا مسلما ، وكان على سجن الوليد ، فقال له : يا عبد الله ما رأيت رجلا قط خيرا منك ، فاذهب رحمك الله تعالى حيث أحببت ، فقد أذنت لك ، فقال : إني خائف عليك هذا الطاغية أن يقتلك ، قال أبو سنان : ما أسعدني إن قتلني ، اذهب أنت راشدا فخرج ، فانطلق إلى المدينة ، وبعث الوليد إلى أبي سنان فأمر به فأخرج إلى السبخة ،
__________________
(١) بالأصل : «أبو» والمثبت عن مختصر ابن منظور.