قوله : «ولكنّ» ، هي عند البصريين مفردة ، وقال الكوفيون : هي مركبة من «لا» و «إنّ» المكسورة ، المصدّرة بالكاف الزائدة ، وأصله : لا كإنّ ، فنقلت كسرة الهمزة إلى الكاف ، وحذفت الهمزة ، ف «لا» تفيد أن ما بعدها ليس كما قبلها بل هو مخالف له نفيا وإثباتا ، و «إن» تحقق مضمون ما بعدها ؛
ولا يخفى أثر التكلف فيما قالوا ، وهو نوع من علم الغيب ، وفيه نقل الحركة إلى المتحرك ، وهو كما قالوا ان «كم» مركبة من الكاف و «ما» ، والأصل عدم التركيب ؛
قوله : «بين كلامين متغايرين معنى» ، أي : في النفي والإثبات ، والمقصود : التغاير المعنوي لا اللفظي ، فإن اللفظي قد يكون نحو : جاءني زيد ، لكن عمرا لم يجئ ؛ وقد لا يكون (١) ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً)(٢) إلى قوله : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) ، أي : ولكن الله لم يركهم كثيرا ، وتقول : زيد حاضر ، لكن عمرا مسافر ، ولا يلزم التضاد بينهما تضادّا حقيقيا بل يكفي تنافيهما بوجه ما ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(٣) ، فإن عدم الشكر غير مناسب للإفضال ، بل اللائق به أن يشكر المفضل ، ومثله كثير ؛
فإذا خففت ألغيت ، والأخفش ويونس ، أجازا إعمالها مخففة ، ولا أعرف به شاهدا ؛
ويجوز دخول الواو عليها مشدّدة ومخففة ، ويجوز كون الواو عاطفة للجملة على الجملة ؛ وجعلها اعتراضية أظهر من حيث المعنى ؛
وجاء في الشعر حذف نون المخففة للساكنين ، قال :
__________________
(١) نبهنا كثيرا إلى ضعف هذا الأسلوب ؛
(٢) من الآية ٤٣ في سورة الأنفال ؛
(٣) الآية ٢٤٣ سورة البقرة ؛