وعُمْياً وهم يُبْصِرون؟ والجواب في ذلك : أنَّ سَمْعَهم لمّا لم يَنْفعْهم لأنَّهم لم يَعُوا به ما سَمعوا ، وبَصَرهم لما لم يُجْدِ عليهم لأنهم لم يَعْتَبِرُوا بما عايَنوه من قُدْرة الله تعالى وخَلْقِه الدَّالِّ على أنَّه واحد لا شريكَ له ، ونُطقَهم لما لم يُغْنِ عنهم شيئاً إذْ لم يُؤمنوا به إيماناً يَنْفَعهم ، كانوا بمنزلة مَنْ لا يَسْمَع ولا يُبْصِر ولا يَعِي ، ونحوٌ من قول الشاعر :
* أصَمُ عمّا ساءَه سَمِيعُ*
يقول : يتصامَم عمّا يَسوءُه ، وإن سَمِعه فكان كأنه لم يسمعه ، فهو سميع ذُو سَمْع ، أصَمُ في تَغَابِيه عمّا أُريدَ به.
وجمعُ الأصَم : صُمٌ وصُمَّانٌ.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ من أمثالهم : صَمِّي صَمَام. ويقال : صَمِّي ابْنَةَ الجَبَل ، يضرب مَثَلاً للداهية الشديدة ، كأنَّه قيل لها : اخْرَسِي يا داهية.
وكذلك يقال للحيّة التي لا تجيب الرَّاقيَ : صَمّاء ، لأنّ الرُّقَى لا تَنْفَعُها. والعَرَبُ تقول : أصَمّ اللهُ صَدَى فلان ، أي : أهْلَكَهُ الله. والصّدَى : الصوتُ الّذي يَرُدُّهُ الجَبَلُ إذا رَفعَ فيه الإنسانُ صوتَهُ ، وقال امرؤ القيس :
صَمَ صَداها وعَفَا رَسْمُهَا |
واسْتَعْجَمَتْ عن مَنْطِق السائِل |
ومنه قولُهم : صَمِّي ابْنَة الجَبَل ، مهما يُقَلْ تَقُلْ ، يريدون بابنةَ الجبَل : الصّدى.
والعَرَبُ تقول للحرب إذا اشتدَّتْ وسُفِكَ فيها الدِّماء الكثيرةُ : صَمَّتْ حَصَاةٌ بدَمٍ ، يريدون أنّ الدِّماء لما سُفكَتْ وكثُرَتْ اسْتَنْقَعَتْ في المَعركة ، فلو وقعتْ حَصاةٌ على الأرض لم يُسمع لها صوتٌ ، لأنَّها لا تقعُ إلَّا في نجيع.
ويقال للدَّاهية الشديدة : صَمَّاءُ وصَمَامِ ، وقال العجَّاج :
صَمَّاءُ لا يبْرِئها من الصَّمَمْ |
حوادثُ الدهرِ ولا طُولُ القِدَمْ |
ويقال للنَّذير إذا أَنْذَرَ قوماً من بَعِيدٍ وأَلْمَعَ لهم بثَوْبه : لمعَ بهمْ لَمْعَ الأصَمّ ، وإن بالَغَ يَظنّ أنّه مقصّر ، وذلك أنه لما كثر إلماعُه بثوبه كان كأنهُ لا يسمعُ الجوابَ ، فهو يُديمُ اللمعَ ، ومن ذلك قول بشر :
أشار بهم لمع الأصمِ فأقبلوا |
عرانين لا يأتيه للنصر مُجلِبُ |
أي : لا يأتيه مُعينٌ من غير قومه ، وإذا كان المعينُ من قومه لم يكن مُجلباً.
ويقال : ضربه ضربَ الأصمّ : إذا تابعَ الضربَ وبالغ فيه ، وذلك أنَ الأصمَ وإن بالغ يظن أنه مقصِّر فلا يُقلع ، وقال الشاعر :
فأبْلِغْ بَني أسَدٍ آيةً |
إضا جِئتَ سَيِّدَهُمْ والمَسُودَا |
|
فأُوصيكُمْ بطِعَانِ الكُماةِ |
فقد تَعلمون بأنْ لا خُلودَا |