(تَفْعَلُوهُ) و (تَكُنْ) ب «إِلَّا» ، كما تفعل «إن» التي هي أُمّ الجَزاء.
وأما «إلا» التي هي للاستثناء فلها مَعانٍ : تكون بمعنى غير ، وتكون بمعنى سوى ، وتكون بمعنى لكن ، وتكون بمعنى لما ، وتكون بمعنى الاستثناء المَحْض.
وقال أحمد بن يحيى : إذا استثنيت ب «إلا» من كلام ليس في أوّله جحد فانْصِب ما بعد «إلا».
وإذا اسْتَثنيت بها من كلام أَوله جَحد فارْفع ما بَعدها.
وهذا أكثر كلام العرب ، وعليه العمل ، من ذلك قولُه عزوجل : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩] فنَصب لأنه لا جَحد في أوله.
وقال تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] فرفع لأن في أَوّله الجَحد.
وقِسْ عليها ما شَاكلها.
وقال :
وكُلُّ أَخٍ مُفارقُه أَخُوه |
لَعمْر أَبِيك إلّا الفَرْقَدانِ |
قال الفَرّاء : الكلام في هذا البيت في معنى جَحد ، ولذلك رفع ب «إلا» ، كأنه قال : ما أَحدٌ إلا مُفارقُه أخوه إلا ، الفرقدان ، فجعلهما مُترجِماً عن معنى «ما أحدٌ» ؛ وقال لَبيد :
لو كان غَيْري سُلَيْمى اليوم غَيَّره |
وَقْع الحَوادث إلّا الصارِمُ الذَّكَرُ |
جعله الخليلُ بدلاً من معنى الكلام ، كأنه قال : ما أحدٌ إلا يتغيّر من وقع الحوادث ، إلا الصارمُ الذَّكَر.
وقال الفَرَّاء ، في قول الله عزوجل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].
قال : «إلّا» في هذا الموضع بمنزلة سوى ، كأنك قلت : لو كان فيهما «سِوَى» الله لفَسدتا.
قلت : وقد قال بَعضُ النحويّين : معناه : ما فيهما آلهة إلا الله ، ولو كان فيهما سِوَى الله لفَسدتا.
وقال الفراء : رَفْعه على نِيّة الوَصل لا الانقطاع من أوّل الكلام.
وأما قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ) [البقرة : ١٥٠].
قال الفراء : معناه ، (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) فإنه لا حُجّة لهم (فَلا تَخْشَوْهُمْ).
وهذا كقولك في الكلام : الناسُ كلهم لك حامدُون إلا الظَّلم لك المعتدي ، فإن ذلك لا يُعْتدّ بِتَرْكه الحمد ، لموضع العداوة ، وكذلك الظالم لا حُجة له ، وقد سُمِّي ظالماً.
قلت : وهذا صحيح ، وإليه ذهب الزّجاج ،