وأخبرني المنذري ، عن أبي طالب النحوي ، أنه قال : التفيَّؤ لا يكون إلّا بالعشي ، والظّل بالغداة ، وهو ما لم تَنَلْه الشمس.
والفيء بالعَشي : ما انصرفت عنه الشَّمس.
قال : وقد بَيَّنه الشاعر فقال :
فلا الظِّلّ مِن بَرْد الضُّحَى تَسْتَطيعه |
ولا الفَيء مِن بَرْد العَشِيّ تَذوقُ |
وأخبرني المُنذري ، عن الحراني ، عن ابن السكيت نحوَه.
قال : وجمع «الفيء» : أفياء ، وفُيوء ؛ وأنشد :
لعمري لأنت البيت أُكْرِم أَهْلَه |
وأقْعُد في أَفْيائه بالأَصائِلِ |
قال : والظل : ما نَسخَتْه الشمس.
والفيء : ما نَسخ الشمسَ.
ابن الأعرابي عن المفضّل ، يقال للقِطْعة من الطَّير : فَيْءٌ ، وعَرِقة ، وصَفّ.
وأما قول الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [الحشر : ٧].
فإن «الفيء» : ما ردّ الله تعالى على أَهل دِينه من أَموال مَن خالف أَهل دينه بلا قِتال ، إمّا بأن يُجْلَوا عن أوطانهم ويُخَلّوها للمُسلمين ، أو يُصالحوا على جِزية يُؤَدّونها عن رُؤوسهم ، أو مالٍ غير الجزية يَفْتدون به من سَفك دمائهم.
فهذا المال ، هو «الفيء» في كتاب الله.
قال الله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) [الحشر : ٦] أي : لم تُوجفوا عليه خيلاً ولا ركاباً.
نزلت في أموال بَني النّضير حين نَقضوا العَهد وجَلَوْا عن أوطانهم إلى الشام ، فقسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أموالهم من النخيل وغيرها في الوُجوه التي أراه الله أن يَقْسمها فيها.
وقِسمة الفيء غيرُ قِسمة الغَنيمة ، التي أوْجف الله عليها بالخيل والرِّكاب.
وقد بَيّنت جماع ذلك فيما مَرّ من الكتاب.
وأصل «الفيء» : الرجوع ، كما أعلمتك ، سُمّي هذا المال : فيئاً ، لأنه رجع إلى المسلمين من أموال الكُفّار عَفْواً بلا قتال.
وكذلك قوله تعالى في قِتال أهل البَغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩] أي : تَرجع إلى الطاعة.
ويقال لنَوى التَّمر ، إذا كان صُلْباً : ذو فَيْئة ، وذلك أنه تُعْلَفه الدّوابّ فتأكله ، ثم يَخرج من بُطونها كما كان نَدِيًّا ؛ وقال علقمة بن عَبدة يَصف فرساً :
سُلَّاءة كعَصا النَّهديّ غُلّ لها