العلم بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله ـ بأبي هو وأمي ـ ، فتفرّد جملة العلماء بجملتها وهم درجات فيما وعوا منها.
وهذا لسان العرب عند خاصّتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها ولا يطلب عند غيرها ولا يعلمه إلّا من قبله منها ، ولا يشركها فيه إلّا من اتّبعها وقبله منها فهو من أهل لسانها وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعمّ من علم أكثر السّنن في العلماء. هذا نص الشّافعي بحروفه.
وقال ابن فارس في موضع آخر : باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكلّيتها وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير ، وأن كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله.
ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أنّ الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقلّ ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعر كثير وكلام كثير ، وأحر بهذا القول أن يكون صحيحا ؛ لأنّا نرى علماء اللّغة يختلفون في كثير مما قالته العرب ، فلا يكاد واحد منهم يخبر عن حقيقة ما خولف فيه ، بل يسلك طريق الاحتمال والإمكان ، ألا ترى أنّا نسألهم عن حقيقة قول العرب في الإغراء : كذبك كذا. وعما جاء في الحديث من قوله صلّى الله عليه وسلّم : " كذب عليكم الحجّ". وكذبك العسل.
وعن قول القائل : [الطويل]
كذبت عليكم أوعدوني وعلّلوا |
|
بي الأرض والأقوام قردان موظبا |
وعن قول الآخر : [الكامل]
كذب العتيق وماء شنّ بارد |
|
إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي |
ونحن نعلم أن قول : (كذب) يبعد ظاهره عن باب الإغراء.
وكذلك قولهم : عنك في الأرض ، وعنك شيئا.
وقول الأفوه : [الرمل]
عنكم في الأرض إنّا مذحج |
|
ورويدا يفضح الليل النهار |