الأولى : حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل : الهلال والله أي : هذا الهلال فيحذف هذا وكذلك لو كنت منتظرا رجلا فقيل : عمرو جاز على ما وصفت لك ومن ذلك : مررت برجل زيد لأنك لما قلت : مررت برجل أردت أن تبين من هو فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى : (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢].
الجهة الثانية : أن تحذف الخبر لعلم السامع فمن ذلك أن يقول القائل : ما بقي لكم أحد فتقول : زيد أو عمرو أي : زيد لنا ومنه لو لا عبد الله لكان كذا وكذا فعبد الله مرتفع بالابتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا فكأنه قال : لو لا عبد الله بذلك المكان ولو لا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى فأما قوله : لكان (كذا وكذا) فحديث متعلق بحديث (لو لا) وليس من المبتدا في شيء ومن ذلك : هل من طعام فموضع (من طعام) رفع كأنك قلت : هل طعام والمعنى : هل طعام في زمان أو مكان و (من) تزاد توكيدا مع حرف النفي وحرف الاستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله.
وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضا كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا : ما أتاني من رجل في موضع : ما أتاني رجل. (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) و (هل تحس منهم من أحد).
وكذلك قولك : هل من طعام وإنما هو : هل طعام فموضع (من طعام) رفع بالابتداء.
الجهة الثالثة : أنهم ربما حذفوا شيئا من الخبر في الجمل ، وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم : السمن منوان بدرهم (١) يريد : منه وإلا كان كلاما غير جائز ؛ لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع
__________________
(١) من أمثلة الخصوص أن تكون موصوفة اما بصفة مذكورة نحو (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) (ولعبد مؤمن خير من مشرك) أو بصفة مقدرة كقولهم السّمن منوان بدرهم فالسمن مبتدأ أوّل ومنوان مبتدأ ثان وبدرهم خبره والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول والمسوّغ للابتداء بمنوان أنه موصوف بصفة مقدرة أي منوان منه. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٢٣٥.