وقال رشيد الدين الوطواط المتوفّى سنة (٥٧٣) : إنّ أولى الأمور بأن تصرف أعنّة العناية إلى ترتيب نظامه ، وتقصر الهمم على مهمّة إتمامه ، أمرٌ يتعلّق به ثبات الدين ، ويتوقّف عليه صلاح المسلمين ، وهو أمر الاحتساب ، فإنّ فيه تثبيت الزائغين عن الحقّ ، وتأديب المنهمكين في الفسق ، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها ، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها ، وينبغي أن يكون متقلّد هذا الأمر موصوفاً بالديانة ، معروفاً بالصيانة ، معرضاً عن مراصد الريب ، بعيداً عن مواقف التهم والعيب ، لابساً مدارع السداد ، سالكاً مناهج الرشاد. معجم الأدباء (١٩ / ٣١).
ففي تولية شاعرنا المترجَم الحسبة مرّةً بعد أخرى ، غنىً وكفاية عن سرد جمل الثناء على علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه ، واجتهاده في جنب الله وصرامته ، وخشونته في الدين ، ورشاده وسداده ، وقد تولاّها مرّتين في بغداد : مرّة على عهد الخليفة العبّاسي المقتدر بالله كما سمعته من ابن خلّكان واليافعي ، وأخرى أقامه عليها عزّ الدولة في وزارة ابن بقية الذي استوزره عزّ الدولة سنة (٣٦٢) وتوفّي سنة (٣٦٧) ، وقد كتب المترجَم إليه في وزارته قصيدة ، أوّلها :
أيّها ذا الوزير إن أنت أنصف |
|
ـت وإلاّ فقم مع الجيرانِ |
ويقول فيها :
ليت شعري ألستُ محتسبَ النا |
|
سِ فلِمْ ليس تعرفونَ مكاني |
أمّا أدبه : فهو كما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة ، والمقدّم بين كتّابها ، حتى قيل : إنّه كامرئ القيس في الشعر (١) لم يكن بينهما من يضاهيهما ، ويقع ديوانه في عشر مجلّدات ، والغالب عليه العذوبة والانسجام ، وتأتي المعاني البديعة في طريقته
__________________
(١) كما في تاريخ ابن خلّكان [٢ / ١٦٩ رقم ١٩٢] ، ومعجم الأدباء [٩ / ٢٠٦] ، وشذرات الذهب [٤ / ٤٨٧ حوادث سنة ٣٩١ ه]. (المؤلف)