بكشاجم. هو نابغةٌ من رجالات الأمّة ، وفذٌّ من أفذاذها ، وأوحديٌّ من نياقدها ، كان لا يُجارى ولا يُبارى ، ولا يُساجَل ولا يُناضَل ، فكان شاعراً كاتباً متكلّماً منجِّماً منطقيّا محدِّثاً ، ومن نُطس الأواسيِّ محقِّقاً مدقِّقاً مجادلاً جواداً.
فهو جُماع الفضائل ، وإنّما لقّب نفسه بكشاجم إشارةً بكلِّ حرف منها إلى علم : فبالكاف إلى أنَّه كاتب ، وبالشين إلى أنَّه شاعر ، وبالألف إلى أدبه ، أو إنشاده ، وبالجيم إلى نبوغه في الجدل أو جوده ، وبالميم إلى أنَّه متكلّم أو منطقي أو منجِّمٌ ، ولمّا ولع في الطبِّ وبرع فيه زاد على ذلك حرف الطاء فقيل : طكشاجم ، إلاَّ أنّه لم يشتهر به.
هذا ما طفحت به المعاجم (١) في تحليل هذا اللقب على الخلاف الذي أوعزنا إليه في الإشارة ، لكنَّ الرجل بارع في جميع ما ذكر من العلوم ، ولعلّه هو المنشأ للاختلاف في التحليل.
أدبه وشعره :
إنّ المترجَم قدوةٌ في الأدب وأسوةٌ في الشعر ، حتى إنّ الرفّاء السريّ الشاعر المفلق ، على تقدّمه في فنون الشعر والأدب كان مغرىً بنسخ ديوانه ، وكان في طريقه يذهب ، وعلى قالبه يضرب (٢) ، ولشهرته بهذا الجانب قال بعضهم :
يا بؤسَ منْ يُمنى بدمعٍ ساجمِ |
|
يهمي على حُجُبِ الفؤادِ الواجمِ (٣) |
لو لا تعلّلُهُ (٤) بكأسِ مُدامةٍ |
|
ورسائلِ الصابيّ وشعرِ كشاجمِ (٥) |
__________________
(١) راجع شذرات الذهب : ٣ / ٣٧ [٤ / ٣٢١ حوادث سنة ٦٠ ه] ، والشيعة وفنون الإسلام : ص ١٠٨ [ص ١٤٠]. (المؤلف)
(٢) تاريخ ابن خلكان : ١ / ٢١٨ [٢ / ٣٦٠ رقم ٢٥٧]. (المؤلف)
(٣) يمنى : يبتلى ويصاب. يهمي : يسيل. الواجم : العبوس من شدّة الحزن. (المؤلف)
(٤) علّل فلاناً بكذا : شغله أو ألهاه به. (المؤلف)
(٥) معجم الأدباء : ١ / ٣٢٦ [٢ / ٢٧]. (المؤلف)