الشاعر
أبو الحسن عليُّ بن أحمد الجرجاني ويُعرف بالجوهري ، كما ذكر ذلك في غير مورد من شعره ، مقياسٌ من مقاييس الأدب ، وأحد أعضاد العربيّة ، ومن المفلقين في صياغة القريض ، كان من صنائع الوزير الصاحب بن عبّاد وندمائه وشعرائه ، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره وأوليات أمره ، وكان يرمي إلى المغازي البعيدة بلفظ قريب ، وترتيب سهل ، وكان في إعطاء المحاسن إيّاه زمامها كما قيل : جَذعٌ يبنُّ على المذاكي القُرّح (١).
وكان الصاحب يعجَب به أشدّ الإعجاب ، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه ، ومناسبة روحه وشمائله خفّةً وظرفاً ، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمّال والأمراء ، فكان يمثِّله في رسالاته أحسن تمثيل ، فيملأ العيون جمالاً ، والقلوب كمالاً ، وقد أطراه أبلغ إطراء فيما كتبه إلى أبي العبّاس الضبّي ـ أحد شعراء الغدير ـ بأصبهان واستحثّه على إكرامه وجلب مراضيه ، والكتاب مذكورٌ في اليتيمة (٢) (٤ / ٢٦) وها نحن نأخذ منه لبابه ، قال :
فإن يقل مولاي : من ذا الذي هذا خَطبه وهذه خُطّته؟ أقل : من فضله برهان حقٍّ ، وشعره لسان صدقٍ ، ومن أطبق أهل جلدته على أنّه معجزة بلدته ، فلا يُعدُّ لجرجان بعيداً ولا قريباً ، أو لأختها طبرستان قديماً ولا حديثاً مثله ، ومن أخذ برقاب النظم أخذه ، وملك رقّ القوافي ملكه ، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره ،
__________________
(١) الجَذَع ـ بالحركتين ـ : صغير البهائم ، والشاب الحديث. يبنُّ من أبنَّ بالمكان : أقام به وثبت ولزم. المذاكي ، جمع المَذكى : من الخيل ما تمّ سنّه وكملت قوّته. القرّح ، جمع القارح : هو من ذي الحافر الذي شقَّ نابه وطلع. (المؤلف)
(٢) يتيمة الدهر : ٤ / ٣١.